صفقات عدوانية
تعليقاً على إبرام إدارة بايدن صفقة مبيعات أسلحة إلى السعودية والإمارات بقيمة إجمالية 
تبلغ 5 مليارات دولار، يؤكد دانييل لاريسون من «ريسبونسبل ستيتكرافت» أن أي دعم عسكري يساعد السعودية والإمارات على مواصلة التدخل في اليمن يعد تأجيجا غير مقبول لحرب غير عادلة ويجب أن يرفضه الكونجرس.
وتُستخدم الصواريخ المذكورة لأغراض دفاعية؛ لكن هذه الصفقة تأتي في سياق حرب عدوانية شنتها السعودية والإمارات ضد دولة مجاورة منذ أكثر من 7 سنوات، ويحاول البلدان الاحتماء من هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ التي تنطلق من اليمن؛ لكن هذه الهجمات تأتي في سياق حملة قصف عشوائية قتلت آلاف المدنيين اليمنيين، فضلا عن دعم الرياض وأبوظبي لوكلاء على الأرض هناك؛ أي إن الهجمات الجوية على أراضي السعودية والإمارات هي رد على أفعالهما في اليمن.
وترسل صفقات الأسلحة الأخيرة رسالة إلى السعودية والإمارات مفادها أنهما لن يتحملا أي عقوبة على جرائم الحرب التي ارتكبتاها بأسلحة أمريكية في الماضي. بدلاً من ذلك، ستستنتج الحكومتان أن الولايات المتحدة ستستمر في تسليحهما بغض النظر عما يفعلانه إذا كان يمكن تبرير ذلك بـ»الدفاع عن النفس».
وكلما زاد الدعم الذي تتلقاه هذان النظامان من الولايات المتحدة، زادت تصرفاتهما التي تعكس تهورا وانعدام مسؤولية، ويجعل ذلك أي مبيعات جديدة للأسلحة أمرا خطيرا.
ويشير لاريسون إلى أنه تم الإعلان عن هذه الصفقات في الأسبوع نفسه الذي وافقت فيه «أوبك+» على زيادة ضئيلة في إنتاج النفط بقيمة 100 ألف برميل يومياً، فيما تم تفسيره على نطاق واسع بأنه «تجاهل» لبايدن في أعقاب زيارته المثيرة للجدل إلى السعودية الشهر الماضي.
وعلى حد تعبير رعد القادري، من مؤسسة «أوراسيا جروب»: «هذه الزيادة ليس لها معنى. من وجهة نظر مادية هي زيادة غير مؤثرة. أما من وجهة نظر سياسية فإنها مهينة».
وما يزال الخلل في العلاقة الأمريكية السعودية قائما؛ حيث توفر الولايات المتحدة الحماية والأسلحة ضد التهديدات التي حفزتها الأفعال السعودية، ثم لا يقدم السعوديون شيئاً في المقابل.
وحاول تقرير لوكالة «أسوشيتيد برس» تأطير مبيعات الأسلحة باعتبارها جزءا من استراتيجية «مواجهة إيران». لكن باستثناء ضربة بقيق وخريص في عام 2019، فإن السعودية والإمارات لم تتعرضا لهجمات إيرانية مباشرة. وجاء الخطر الرئيسي للهجمات الجوية ضد الأراضي السعودية والإماراتية من اليمن؛ لأن البلدين يتدخلان في اليمن.
وتعد حاجة الرياض وأبوظبي إلى هذه الصواريخ دليلا أكبر على فشل التدخل الذي تقوده السعودية، والذي لم يدمر اليمن فحسب، بل أدى أيضاً إلى تقويض أمن دول التحالف التي تهاجمه. وفي بداية الحرب، روجت لها الحكومة السعودية كوسيلة لتحقيق الاستقرار في اليمن وجلب الأمن إلى المنطقة؛ لكنها أدت إلى كارثة إنسانية في اليمن وزيادة الخطر على السعودية.
إن أضمن طريقة لحماية هذين البلدين من الهجمات الجوية الإضافية هي أن تنهي حكومتاهما الحرب وتتوقفا عن التدخل في شؤون اليمن.
بالإضافة إلى صفقات الأسلحة، تعمل إدارة بايدن أيضاً على إنشاء آلية جديدة لمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن بعد نجاح السعودية في الضغط لإنهاء «مجموعة الخبراء البارزين» المعنيّة باليمن العام الماضي. ويقال إن الآلية الجديدة متحيزة بشدة لصالح التحالف السعودي.
بدلاً من المجموعة المستقلة التي ألغتها الحكومة السعودية، ستشمل اللجنة الجديدة ممثلين للمجلس الرئاسي الجديد في اليمن.
فقط هيئة مستقلة حقاً ليس لها ولاء لأي من المتحاربين هي التي يمكنها إجراء تحقيقات موثوقة وشاملة في مزاعم ارتكاب انتهاكات من قبل جميع الأطراف. لكن الحكومة السعودية أظهرت أنها لن تتسامح مع هيئة استقصائية مستقلة حقاً. وترتكب إدارة بايدن خطأ كبيرا إذا دعمت إنشاء آلية جديدة تسمح للتحالف السعودي والحكومة اليمنية بالتهرب من المساءلة عن انتهاكاتهما.
وحتى قبل اجتماع الرئيس الأمريكي المؤسف مع محمد بن سلمان، في جدة، الشهر الماضي، كانت إدارة بايدن تقيم علاقات عسكرية دافئة مع السعودية والإمارات، بالرغم من التوترات على الساحة السياسية. ورغم التوقف القصير لمبيعات الأسلحة في الجزء الأول من عام 2021، فإن الولايات المتحدة بذلت جهودا لإظهار الدعم لكل من الحكومتين، بما في ذلك عمليات النشر العسكرية المتزايدة للدفاع عن أراضيهما.
تعد مبيعات الأسلحة الجديدة هي الأحدث ضمن سلسلة من الإيماءات التي تهدف إلى استرضاء هذه الحكومات التابعة؛ لكن من غير المرجح أن تظل راضية لفترة طويلة. وتشير التجربة إلى أن هذه السياسة ستؤدي إلى زيادة شهيتهم لمزيد من المطالب في المستقبل.
ومن المرجح أن تؤدي صفقات الأسلحة التي وافقت عليها إدارة بايدن إلى جعل السعودية والإمارات أكثر عدوانية؛ لأنهما سيفترضان أن بإمكانهما حماية نفسيهما من هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ بشكل أكثر فاعلية.
على أي حال، فإن المزيد من مبيعات الأسلحة للحكومات الاستبدادية لن تنتج منطقة أكثر استقراراً وأماناً؛ لأن ذلك يغذي سباق التسلح الإقليمي ويزيد التوترات مع إيران، وقد يمهد ذلك لصراع آخر يزعزع الاستقرار.

دعم الرياض هجومياً
استبق موقع «جيروزاليم بوست» العبري قرار رفع الحظر على المبيعات الأمريكية للأسلحة الهجومية إلى السعودية وقال إن ذلك يتوقف على ما إذا كانت الرياض تحرز تقدماً نحو إنهاء الحرب في اليمن.
تعد الذخائر دقيقة التوجيه، على الأرجح، من بين الصفقات التي يسعى إليها السعوديون. وإذا خففت واشنطن الحظر، فقد يكون من الأسهل المضي قدماً في مبيعات المعدات الأقل فتكاً، مثل: ناقلات الجند المدرعة، أو سد العجز في مخزونات الأسلحة الأقل تطوراً (أرض-أرض) و(جو-أرض).
حتى في ظل القيود الحالية، بدأت الولايات المتحدة في تكثيف دعمها العسكري للسعودية بعد ضربات صاروخية للحوثيين على المملكة. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر إن واشنطن وافقت على بيع صواريخ وأنظمة دفاعية مضادة للصواريخ للسعودية. كما أرسلت الولايات المتحدة صواريخ «باتريوت» هذا العام أيضاً - يعتبرها المسؤولون الأمريكيون ذات طبيعة دفاعية.
حافظت إدارة بايدن أيضاً على دعمها للسعوديين لتلقي نظام «ثاد» الدفاعي، الذي تمت الموافقة عليه لأول مرة في عام 2017 لمواجهة تهديدات الصواريخ البالستية. ورغم موافقة المشرعين في الغالب على مثل هذه المبيعات، إلا أن بايدن قد يواجه تداعيات من مجلس الشيوخ إذا قرر بيع أسلحة الرياض الهجومية مرة أخرى.

جيوب بايدن
قال موقع «تايمز أوف إسرائيل» العبري إن موافقة إدارة بايدن على صفقتين كبيرتين من الأسلحة للسعودية والإمارات التي جاءت في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط قبل أسبوعين، كانت لمساعدتهما في الدفاع ضد إيران. ورغم أن الموافقة تختص بالأسلحة الدفاعية، إلا أنها قد تكون محل تساؤل من المشرعين الذين أيدوا قرار بايدن العام الماضي إبعاد السعودية والإمارات عن عمليات الشراء الكبيرة للأسلحة الأمريكية الهجومية بسبب تورطهما في الحرب في اليمن.
تشمل المبيعات الجديدة 3 مليارات دولار لصواريخ «باتريوت» للسعودية، مخصصة لحماية نفسها من هجمات الحوثيين الصاروخية، و2.2 مليار دولار للدفاع الصاروخي على ارتفاعات عالية للإمارات.
وكان بايدن قد تعهد، في وقت مبكر من إدارته، بقطع أو تقليص مبيعات الأسلحة لكل من السعودية والإمارات بسبب أفعالهما في اليمن.

نسخـة اتفاقية ستوكهولم
قال عوفيد لوبل، في المجلس الأسترالي للشؤون «الإسرائيلية» واليهودية، إن وقف إطلاق النار يعد نسخة طبق الأصل لاتفاقية ستوكهولم التي توسطت فيها الأمم المتحدة عام 2018، التي حمت سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة، وربحوا منها عشرات الملايين من الدولارات، ومكنتهم من نقل المقاتلين إلى جبهات أخرى. وسيمنح هذا الاتفاق الحوثيين -مرة أخرى- الوقت لإعادة تنظيم صفوفهم، وإعادة شن هجماتهم في جميع أنحاء البلاد، مع تعزيز سيطرتهم على المناطق التي يحتلونها بالفعل.
وحذر من أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يعملان، في الواقع، على تفاقم الكارثة الإنسانية، وتمكين الحوثيين من خلال رؤية اليمن من منظور إنساني فقط، وذكر أن الطريقة الوحيدة للتخفيف من الكارثة الإنسانية هي عدم الضغط على السعودية لوقف العمل العسكري، ولكن تمكينها من الدفاع عن مدينة مأرب.
مع فقدان الزخم وإرساء عملية وقف إطلاق النار، تخلت القوات المناهضة للحوثيين بشكل شبه كامل عن المكاسب الفعلية والمحتملة لحملتها. ومن المؤكد أن هجوم الحوثيين المتجدد، عندما يأتي، سينجح.
في الواقع يعد الحوثيون، مرة أخرى، الطرف الوحيد المستفيد استراتيجياً من وقف إطلاق النار الحالي، كما هو الحال مع اتفاقية ستوكهولم، حيث لم يتنازلوا عن أي شيء.
لا تزال القوات المناهضة للحوثيين منقسمة ومنشطرة بشكل ميئوس منه، رغم المحاولات السطحية والعبثية لتوحيدها عسكرياً وسياسياً. يقوم وكلاء الإمارات والسعودية بالتجنيد بشكل منفصل، كما فعلوا دائماً، وينظرون إلى أنفسهم بشكل أساسي على أنهم خصوم، انخرطوا في حرب ضروس بقدر ما قاتلوا الحوثيين.
قال لوبل إن نتيجة وقف إطلاق النار ستكون على الأرجح انتصاراً للحوثيين.

جنجويـد واشنطــن
أشار الموقع الأمريكي (intpolicydigest)، في تقرير، إلى أنه وبصرف النظر عن الدور الأمريكي المباشر في الأزمة الإنسانية في اليمن، فإن واشنطن تدعم المليشيا السودانية (الجنجويد) التي قاتلت في دارفور. وربط التقرير بين ما تقدمه مليشيا الجنجويد بقيادة دقلو وما تمارسه في اليمن بأوامر سعودية، حيث قاتلوا دفاعاً عن الرياض في الحدود، وساعدوا في السيطرة على العديد من المدن والبلدات الشمالية الشرقية في اليمن، وإنشاء منطقة عازلة في المنطقة الشمالية. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2019، بعد الإطاحة بنظام عمر البشير، أعاد دقلو تأكيد التزامه بالتحالف الذي تقوده السعودية. وتابع التقرير أن تورط السودان في حرب اليمن يعكس بالفعل خلفيته الدموية والاستغلالية، ويأتي مع العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، بحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الذي كشف عن قيام المليشيا بتجنيد أطفال من دارفور وإرسالهم إلى اليمن، بعض هؤلاء الأطفال لا تتجاوز أعمارهم 14 عاماً. والأسوأ من ذلك، يذكر التقرير نفسه أن هؤلاء الأطفال يشكلون، في مكان ما، ما يقرب من 40٪ من مقاتلي المليشيات. وختم التقرير بالقول إنه حان الوقت لتتوقف أمريكا عن خلق أرض خصبة تستخدمها المليشيات السودانية للرعاية والنمو، فالأزمة الإنسانية في اليمن سبب لدعم مليشيا دقلو بالمال.
وأضاف: «طال انتظار هذا القرار، وعلى المشرعين أن تأخير تمريره، وعليهم محاسبة الحكومة وعدم السماح لها بالتضحية باستقرار المنطقة وسلامها مقابل مصالح اقتصادية فورية مع النظام السعودي».

صفعات الحوثيين في وجـــه السعودية مقابل صفقات واشنطن لها
قال نتصان سادان في موقع «كالكاليست» العبري إن السعودية تمتلك واحدة من أكثر القوات الجوية تقدماً في العالم. لديها 136 طائرة هجومية بعيدة المدى من طراز (F15E)، يمكنها حمل حمولة قنابل كبيرة ومتنوعة. ولحمايتهم من الاعتراض يشغّل سلاح الجو أيضاً 83 طائرة من طراز (F15C) ذات مقعد واحد، ويكمل المصفوفة القتالية 72 طائرة من طراز «تايفون» أوروبية الصنع و82 قاذفة مقاتلة من طراز «تورنيدو». إلى جانب ذلك، تشغل السعودية أكثر من 90 طائرة هليوكوبتر أباتشي، وعشرات طائرات الهليوكوبتر المسلحة وأكثر من 300 طائرة دون طيار. نظرياً، يمكن للسعودية استئصال الحوثيين والقضاء عليهم قبل أن تنفد قنابلها.
ورغم ذلك لا يزال يسيطر الحوثيون على البلد الذي «احتلوه»، بعد صفع السعوديين الذين يبحثون الآن بالفعل عن مخرج من هذه الحرب، عدة صفعات. كيف حدث ذلك؟! بفضل الاستخدام الرائع للألعاب الطائرة.
قال سادان إن حملة القصف السعودية أثبتت أنها غير مجدية؛ لأن البنية التحتية في اليمن كانت مدمرة، إلى حد كبير، حتى قبل وصول طائراتهم. لقد أدت سنوات الحرب الأهلية الطويلة إلى تفكيك البلاد والوصول إلى مستوى يحصل فيه غالبية السكان بالكاد على المياه النظيفة.
كيف يمكن تدمير مصانع الأسلحة إذا كانت كل المعدات تصل بشحنات من الخارج، وبدلاً من مصانع الذخيرة الكبيرة توجد ورش صغيرة ومرتجلة، وبدلاً من مصفوفات الرادار الوطنية الكبيرة هناك بطاريات متنقلة مضادة للطائرات مخبأة نهاراً في كهف، ويخرجونها ليلاً في الوقت المناسب لالتقاط هيكل أباتشي سعودية؟!
لم تنجز القوة الجوية شيئاً سوى تدمير المباني المشبوهة في المدن المدمرة، وقتل الأبرياء الفقراء الذين تصادف أنهم يختبئون في السراديب.
من وجهة نظر استخبارية، كان اليمن ولا يزال فوضوياً: خلال سنوات حرب الحوثيين ضد السلطة، استولى الحوثيون «الإرهابيون» على عدد كبير من الأسلحة والذخيرة؛ لكن لم يعرف أحد مكان تخزينها. أين البطاريات المضادة للطائرات؟ وما هي المنظمة التي تسيطر عليها الآن؟ البطاريات نفسها هي مثال للإبداع اليمني: إلى جانب منصات الإطلاق الروسية والإيرانية القياسية، تمكنت ورش الحوثيين من السيطرة على صواريخ (جو-جو) من مستودعات القوات الجوية اليمنية، وربطها بشاحنات صغيرة. يدور الحديث على صواريخ (R27) الموجهة بالحرارة، والتي يمكن إطلاقها دون قفل الرادار.
هكذا تمكن الحوثيون من مفاجأة القوات الجوية السعودية مراراً وتكراراً: في كثير من الحالات، أصيبت الطائرات المقاتلة بنيران صواريخ عادية أو مرتجلة، وأُجبرت على الانسحاب والفرار من الأراضي اليمنية، وكان هؤلاء هم المحظوظون، حيث خسر سلاح الجو الملكي السعودي، منذ عام 2015، عشر طائرات هليوكوبتر من طراز أباتشي، وثلاث طائرات «تورنيدو»، و»تايفون»، وكذلك طائرتين من طراز (F15).
إنه إنجاز كبير. ولا عجب أن السعودية ادعت أن (F15) قد سقطت جراء عطل وليس بسبب اليمنيين. لكن فشل المخابرات وفقدان الطائرات ليس سوى جزء صغير من هذه القصة. ينتظر السعوديون درس أكثر إيلاماً في اليمن، درس يرعب كل جيوش العالم.
في كانون الأول/ ديسمبر 2015، فعّل الحوثيون أول طائرة دون طيار قتالية من طراز (Phantom2)، وهو نوع يمكن شراؤه في أي مكان تقريباً. لم يبتعه الحوثيون حتى. لقد سرقه شخص ما من مبنى محطة تلفزيون محلية، بعد أن أدركوا مدى سهولة استخدامها لمهام الاستطلاع وتحديد أماكن القوات.
يمكن لمثل طائرة الفانتوم أن تحمل 300 جرام، لا تكفي لكل من الكاميرا والمثبت وكذلك للتسلح. ولذا لجأ الحوثيون إلى إيران، وبدؤوا في استقبال طائرات دون طيار من عائلة أبابيل، وهي أدوات مراقبة تحولت إلى قنابل طائرة، وأدوات خاصة لمهاجمة أنظمة الرادار. وكانت بالنسبة للحوثيين طوق النجاة.
بعد التجربة والخطأ، في سلسلة من الهجمات ضد الجيش اليمني، أصبح الحوثيون أبطالاً في تشغيل الطائرات الانتحارية.
في 18 تموز/ يوليو 2018، انطلقت أول عملية كبرى: حوالى عشر طائرات مسيّرة انتحارية ضربت مجمع مصافي شركة النفط العملاقة أرامكو بالقرب من الرياض، على بعد حوالى 800 كيلومتر من نقطة الانطلاق. وتعرض المجمع لأضرار تقدر بحوالى 200 مليون دولار، وارتفعت أسهم أرامكو إلى عنان السماء، كما ارتفعت أسعار النفط العالمية بشكل متعرج.
كما هاجمت طائرات بدون طيار مطار أبوظبي في ضربة من مسافة تبعد ألف كيلومتر. أسفر عن الهجوم ضرر ضئيل للغاية؛ لكن الرحلات الجوية توقفت.
ارتفعت بشكل كبير قدرات طائرات الحوثيين بدون طيار: في 10 كانون الثاني/ يناير 2019، حلقت طائرة مسيّرة فوق ساحة احتفالية في مدينة عدن، في نهاية عرض عسكري للمشاة اليمنية. حملت شحنة انفجرت على ارتفاع 10-15 مترا ودمرت المنصة، وأسفر عن الهجوم مقتل ستة ضباط بينهم قائد سلاح الاستخبارات العسكرية اليمنية، ونفذ الحوثيون عملية اغتيال جوية شبه مثالية.
ما الذي يمكن أن يفعله سلاح الجو السعودي لمواجهة الطائرات دون طيار؟ القليل جداً. وفي الوقت الحالي، الطريقة الوحيدة لإيقاف مثل هذا الهجوم هي تحديد موقع الطائرة أثناء رحلتها إلى الهدف وإسقاطها في الطريق. نافذة الاعتراض كبيرة نسبياً لأنها أداة بطيئة للغاية عن أي صاروخ. ومع ذلك، فإن الطيران المنخفض يجعل من الصعب على الرادار اكتشافه، ويلغي أي ميزة حرفياً. إذا أراد الحوثيون قصف السعودية، فإنهم سيفعلون ذلك. وهذا ينعكس أيضاً على أي دولة أخرى في النطاق. إنه إنجاز مثير للإعجاب لتنظيم لا يمتلك ذراعه العسكري حتى زياً رسمياً موحداً.
تمكنت بالفعل الدوريات المتواصلة لطائرات (F15) السعودية على ارتفاعات منخفضة من التقاط وإسقاط الطائرات دون طيار هنا وهناك؛ لكن لا يزال الحوثيون يتمتعون بحرية عمل هائلة. خلال عام 2020، انخفض نطاق الهجمات؛ لكن السعودية كانت ولا تزال تتعرض للقصف وازدياد الهجمات، ففي 23 حزيران/ يونيو، على سبيل المثال، أصابت طائرات مسيّرة وصواريخ كروز مرتجلة مطارات في الرياض وخميس مشيط، وفي قواعد عسكرية في نجران و»جازان»، وأهدافاً للجيش اليمني.
وبنظرة شاملة، يبدو أن أسلوب الحوثي كان ناجحاً. ووفقاً للتقديرات تبحث السعودية بالفعل عن استراتيجية للخروج من هذه القصة. كلفت الحرب في اليمن أرواحاً بشرية وموارد كثيرة، وألحقت ضرراً بهيبة الحكومة، وانتقادات حادة حول العالم. على سبيل المثال، منذ عام 2015، استهدفت التفجيرات السعودية حوالى 70 مستشفى وعيادة ومركز إسعاف للطوارئ، مما جعل الأمم المتحدة تدين «الاستخفاف التام بحياة الإنسان».
اليوم، يشغّل الحوثيون سلسلة من الطائرات الهجومية المسيرة تسمى «صماد»، والتي -بحسب التقديرات- يمكن أن يصل مداها إلى نحو 1500 كيلومتر. هذه تقديرصات صادرة عن الشركات المصنعة للمكونات، وربما يكون النطاق الفعلي أقل بكثير؛ لكنه لا يزال يسمح بإلحاق الضرر بمعظم البنى التحتية النفطية في السعودية والإمارات.
أثبت الحوثيون أنه من خلال الحل التكنولوجي الطائر، من الممكن التغلب على أعداء أقوى بكثير منك وإلى الأبد بالتأكيد. كل ما نحتاجه هو طائرات دون طيار، ومعلومات عن نقاط ضعف العدو، واستخفاف بحياة الإنسان.
تشعر جيوش العالم بالقلق من الموقف الذي سيوزع فيه الحوثيون على «المخربين» الآخرين شيئاً أكثر خطورة بكثير من تفجير الروبوتات: تعليمات التجميع. إذا حصل بلد مفكك مثل اليمن على جميع المكونات اللازمة لبناء صناعة طيران للطائرات الانتحارية المسيّرة، فلن يكون من الصعب تحقيق ذلك في مناطق القتال الأخرى وتهديد البلدان. لذلك، يعمل الخبراء في جميع أنحاء العالم هذه الأيام على تطوير أنظمة قادرة على اكتشاف الطائرات المسيّرة حتى على ارتفاعات منخفضة وإسقاطها.
بعض التطورات المستقبلية هي مدافع الليزر والطائرات المسيّرة التي تصطاد نظيراتها، أو أجهزة الإرسال القوية التي تعطل أنظمة الأجهزة. البعض الآخر أبسط بكثير، مثل نشر شبكات القبة الحديدية على البنى التحتية النفطية المختلفة.
وهذا، لسوء الحظ، هو مستقبل محتمل للحرب الجوية: روبوتات طائرة بسيطة ورخيصة مثل صواريخ كروز، وتراوغ طائرات مقاتلة باهظة الثمن ومعقدة. لديّ كل الأمل في أن يأتي المنقذ إلى اليمن البائس، سواء في شكل انتفاضة شعب سئم من كونه درعاً بشرية، أو ترتيباً إقليمياً بين الحوثيين والحكومة، أو حلاً أكثر أصالة. لقد أثبت الشعب اليمني عدة مرات مدى إبداعه في البقاء.

الحوثيون لـن يسمحـوا بزيادة إنتاج النفط
تسأل فاطمة أبو الأسرار، من معهد «ميدل إيست»: «هل يمكن أن تدعم دول الخليج المصالح الأمريكية بعد سنوات من اللامبالاة الأمريكية؟! ورغم كل المؤشرات السلبية، يبدو أن الإجابة هي: نعم مشيرةً إلى ما قاله ابن سلمان في 16 تموز/ يوليو عن أن الرياض ستزيد طاقتها الإنتاجية من النفط إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول 2027، وهو أعلى بكثير من متوسط إنتاج المملكة في 2021 البالغ 10.7 ملايين برميل يوميا.
ومن غير الواضح ما إذا كان بإمكان الرياض بالفعل رفع إنتاجها إلى هذا المستوى بهذه السرعة. وبعيداً عن الاعتبارات الفنية هناك تحديات أخرى لزيادة الإنتاج، وهي نقطة أكدتها هجمات الحوثيين في آذار/ مارس على مصفاة النفط السعودية في ينبع.
حاول بايدن طمأنة دول قمة جدة بعزمه إعادة الاهتمام بالشرق الأوسط، كما أكد أن الولايات المتحدة ستدعم أمن الخليج ولن تسمح للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتعريض ممراته للخطر، وتعهد بردع التهديدات. بالإضافة إلى ذلك، وعد بالعمل على تقليل التوترات، وخفض التصعيد، وإنهاء النزاعات حيثما أمكن ذلك.
وحول هذه النقطة، حاولت إدارة بايدن بالفعل التأثير بشكل إيجابي على مسار الحرب في اليمن، من خلال تعزيز الدبلوماسية كأداة رئيسية لحل النزاع. ومع ذلك فإن جهود الإدارة لم تحقق السلام، ولم تجعل اليمن والمنطقة أكثر أمانا. ولا يمكن إنهاء الحرب بسهولة؛ لأن الولايات المتحدة تفتقر إلى النفوذ المباشر على جميع الأطراف المعنية، خاصة الحوثيين.
ونظراً لعدم قدرة أمريكا على التأثير على الحوثيين، فضلا عن الهدف الطموح لإدارة بايدن المتمثل في «إنهاء الحرب في اليمن»، فإن أفضل ما يمكن للإدارة أن تفعله هو الضغط على السعوديين لإنهاء مشاركتهم أو تقليص عملياتهم العسكرية بشكل كبير.
ومن شأن انسحاب السعودية دون تسوية واضحة أن يعرض وحدة أراضي اليمن للخطر ويجعل البلاد فريسة في يد الحوثيين. وقد أدركت الإدارة أخيرا تعقيد الوضع وكانت أكثر صراحة بشأن صعوبات إقناع الحوثيين بالتعاون.

جاريد بن سلمان
نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تفاصيل عن مذكرات جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومستشاره، التي ستصدر قريبا. وتحدثت الصحيفة عن «تفاصيل نادرة» حول التقارب السياسي والودي الذي جمع بين كوشنر ومحمد بن سلمان، وقالت إنه «تعمق بعد مغادرة ترامب وفريقه البيت الأبيض».
ووفق المذكرات قال كوشنر لابن سلمان: «الجميع هنا يقولون لي إنني أحمق لثقتي بك». ويضيف: «إنهم يقولون إن الزيارة فكرة فظيعة».
وتشير الصحيفة إلى اتهامات جماعات حقوق الإنسان كوشنر بالتقليل من شأن حملة ابن سلمان القمعية القاسية على المنتقدين وحملته العسكرية ضد أنصار الله في اليمن حتى تتمكن الولايات المتحدة من تأمين مبيعات عسكرية مربحة للسعودية، وفق الصحيفة.