«لا» 21 السياسي -
تَشارك مجموعة من الرعية في مشروع حفر بئر ماء لسقي مزارعهم. وفي مفاوضاتهم مع مالك الحفار الذي سينفذ المشروع شرح لهم الرجل التكاليف التي سيتم احتسابها بالمتر وأن الحفر سيستمر حتى العثور على الماء، وقال لهم: إذا كان الحفر ناجحاً ووجدنا الماء سنحسب عليكم المتر بـ25000 ألف ريال، أما إذا فشلت العملية فسيكلفكم المتر 12500 ريال فقط. أحد أولئك الرعية -رغم جهله الفرق بين البئر الناجحة وتلك الفاشلة- أعجبه السعر المخفض ورد على صاحب الحفار: «خلاص، دق فاشلة»!
يورد أحدهم ما سبق لمقاربة مآلات الهدنة الإنسانية العسكرية المعلنة أممياً في اليمن. وقد يكون في ذلك تفسير تشاؤمي لنتائج شهرين من هدنة مُددت شهرين آخرين؛ لكنها مقاربة أقرب للقلق منها لليأس بحسب اعتقادي.
سيرورة أعوام العدوان والحصار لا تنفك تشير إلى صيرورة ما بعدها، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار شواهد اللحظة العدوانية المتواصلة حصاراً مُهدنناً وتحشيداً مُهدداً وتسويفاً تسبقه سينٌ سعودية وتلحقه ياءٌ صهيونية ويرافقه نصل سكينٍ أمريكي يلمع ابتساماتٍ صفراء من فم هانز غروندبرغ ويقطر خبثاً في جبين عالمٍ لا يستحي كي يعرق أو يتعرق.
في تفاصيل المستجد البالي أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانز غروندبرغ، التوصل إلى اتفاق لتجديد الهدنة الإنسانية العسكرية لشهرين إضافيين. وجاء في بيان صحافي لمكتبه: «تدخل الهدنة المجدّدة حيِّز التنفيذ عند انتهاء الهدنة الحالية اليوم الموافق 2 حزيران/ يونيو في الساعة 7 مساءً بتوقيت اليمن».
وتعهّد غروندبرغ بـ»العمل مع الأطراف لتنفيذ وترسيخ عناصر الهدنة كاملةً والتوجه نحو حلّ سياسي مستدام يلبّي تطلعات ومطالب اليمنيين»، مشيراً إلى أنه جرى تمديد الهدنة وفق أحكام الاتفاقية الأصلية نفسها والتي دخلت حيّز التنفيذ يوم 2 نيسان/ أبريل 2022.
وقبل إعلان التمديد تلقّى رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط رسالة من غروندبرغ من أجل تمديد الهدنة شهرين إضافيين.
كما تلقى المشاط بالتزامن عدداً من الرسائل والاتصالات من قادة عدد من الدول التمست إتاحة فرصة أخرى للأمم المتحدة ودول العدوان من أجل تعويض ما لم يتم الالتزام بشأنه من بنود الهدنة خلال الشهرين الماضيين، وخصوصاً ما له علاقة بالملف الإنساني.
ورحّب المشاط بالجهود المبذولة وبالاتصالات والرسائل التي أكدت الاهتمام بتجاوز اليمن للعدوان والحصار المفروضين عليه.
وشدّد المشاط على أن «قبول المجلس السياسي الأعلى وتعاطيه الإيجابي مع رسالة المبعوث الأممي من أجل تمديد الهدنة هما من أجل تخفيف معاناة المواطنين وإتاحة مزيد من الوقت لتحقيق انفراجة حقيقية في اليمن».
بدوره قال رئيس وفد صنعاء المفاوض، محمد عبدالسلام، إن صنعاء قبلت بتمديد الهدنة لدواع إنسانية بعد نقاش طويل مع الأمم المتحدة وجهات أخرى ورفع رسالة أممية إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى.
وأكد عبدالسلام أن القبول بتمديد الهدنة تم على أن يتم استكمال ما لم يتم استكماله خلال الشهرين الماضيين، مضيفاً أن العبرة بمدى التزام الطرف الآخر بتعهداته ليُصار إلى بحث شامل للوضع الإنساني.
من الواضح أن المصلحة الأمريكية وتفرعاتها الأوروبية والخليجية كانت مع تمديد الهدنة لشهرين قادمين؛ لكن الأوضح هو ثبات صنعاء في موقع الفعل لا رد الفعل وإثباتها حق اليمنيين في العيش الكريم والحياة الحرة والقرار المستقل، وأن رهانها سواء في مربعات الهدنة البيضاء أو مربعات العدوان السوداء سيبقى هو الرهان على القدرة والفعل والجهوزية والمبادرة.
وتدرك صنعاء بالتوازي أن خشية واشنطن ومن إليها من أي معاودة عالية لعمليات كسر الحصار ستخلط أوراقها وتلخبط حساباتها التكتيكية المدرجة ضمن استراتيجيتها في مواجهة روسيا والصين، وستشعل براميل احتياطياتها المتبقية من النفط والنفوذ.
كما أنها تعلم أن الحصار والمرتبات هي ما تبقى من أسلحة بأيدي العدوان الآثمة، بعد خسارة سلاحه العسكري المباشر، وأنه لن يرمي آخر أوراقه الضاغطة تلك دونما مساومة بها لتحقيق بعض من المكاسب التي عجز عن اجتراحها طوال سنوات الحرب.
رسالة صنعاء واضحة بلا شك مرسلة من فوهات أسلحة الجيش واللجان الشعبية، ومقيدة في الوقت عينه لكل محاولات شراء النصر بالتقسيط الإنساني عبر مطار صنعاء وميناء الحديدة وجميع مراوغات بيع الهزيمة بالتنويم العسكري في جبهات الضالع والبيضاء وشبوة والساحل الغربي.
لن تبقي صنعاء بالنتيجة حبل الهدنة على غارب العدوان ومرتزقته إلى ما لا نهاية، وستقطعه حال تقاطعت إقامة صلاة الجنازة مع خطبة حجة الوداع، وحينها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.