«لا» 21 السياسي -
مع استمرار الحرب على اليمن اتسم العام الماضي بديناميكية مثيرة للاهتمام، تمثلت في صعود الاحتجاجات الشعبية في العديد من المناطق الجنوبية والمناطق التي لم تتضرر مباشرة بالغارات الجوية والقتال.
وتعد الظروف الاقتصادية السبب الرئيسي لهذه الاحتجاجات، خاصة مع تفاقم التضخم وتراجع الرواتب والخدمات ونقص الكهرباء والوصول المحدود إلى المياه النظيفة.
ولا يحدث ذلك فقط في المناطق التي تسيطر عليها حكومة الدنبوع هادي؛ ولكن أيضاً في المدن والمحافظات التي يحكمها ما يسمى «المجلس الانتقالي الجنوبي».
وتكثفت الاحتجاجات منذ منتصف عام 2021. وعلى سبيل المثال، شهد أيلول/ سبتمبر 2021 وحده 54 مظاهرة في عدن وشبوة وعبيان وسقطرى ولحج وحضرموت (وفق لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية باليمن 2022).
ويمكن استخلاص درس واحد من الأمر: في سياق صراع مطول ومتعدد الطبقات مثل اليمن، فإن أشكال الحكم الذاتي المستقلة عن الحكومة المعترف بها فشلت أيضاً في تقديم إجابات في نظر السكان المحليين.
ترتبط احتجاجات اليمن في المناطق الجنوبية في المقام الأول بالتدهور الشديد للظروف الاقتصادية والقوة الشرائية؛ حيث غالباً ما يعتمد الناس على العمل بالأجر اليومي.
أما اللافت للنظر -في بلد ما زال يرزح تحت الحرب- أن الاضطرابات تحدث في المناطق غير المتأثرة مباشرة بالغارات الجوية والقتال؛ أي في عدن غالباً، وشبوة وحضرموت. وقد قطع المتظاهرون الطرق وهاجموا المباني الحكومية (في عدن في آذار/ مارس 2021).
وتصاعدت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وانخفضت العملة اليمنية (الريال) بقوة مقابل الدولار، في وقت يعتمد فيه اليمن على استيراد 90% من طعامه ووقوده.
وبالرغم من أنه يتم إنتاج أكثر من نصف النفط اليمني في المنطقة الجنوبية الشرقية من حضرموت، ما يزال سكان حضرموت يستنكرون البطالة والخدمات السيئة والتهميش السياسي، مثلما كانوا يفعلون خلال رئاسة «صالح».
وتدق هذه الاحتجاجات جرس الإنذار، ليس فقط بشأن الأشكال البديلة للحكم، ولكن أيضاً بشأن لامركزية السلطة والطريقة التي يتم التعامل معها محلياً.
وبعد اندلاع الحرب، تفاوضت محافظة حضرموت مع الحكومة المركزية لاستثمار 20% من إيرادات الطاقة في برامج التنمية المحلية (فعلت محافظات شبوة ومأرب الشيء نفسه).
ولكن حتى الآن، لم يتم ترجمة ذلك إلى تحسينات على الأرض. والدليل أن شعارات المحتجين من سكان حضرموت كانت موجهة ضد جميع الأطراف، حيث كانت الهتافات الاحتجاجية ضد السلطة المحلية، والتحالف السعودي و»المجلس الانتقالي الجنوبي».
في المناطق الشمالية الغربية التي يسيطر عليها «الحوثيون»، لم تكن هناك تقارير عن احتجاجات هامة؛ فالأسعار لم تقفز بحدة كالأماكن الأخرى، كما أن قبضة الجهاز الأمني قوية، ومع ذلك فإن النقص في غاز الطهي يمثل مشكلة في هذه المناطق.
وعندما أصبح اقتصاد الحرب مهيمناً، تحولت المؤسسات الاقتصادية والمالية إلى ساحة معركة سياسية، فقد انقسم البنك المركزي اليمني في عام 2016؛ مما أدى إلى سياسات نقدية واقتصادية متعارضة.
وبدأ بنك عدن المركزي (وهو الوحيد الذي لديه قدرة على الوصول إلى الأسواق المالية الدولية) في طباعة عملات ورقية جديدة لتغطية عجز الحكومة ودفع أجور القطاع العام، مع محاولة تدمير الأسواق الشمالية التي يسيطر عليها «الحوثيون».
وفي عام 2017، قرر البنك المركزي في عدن تعويم العملة، بمعنى ربط سعر صرف العملة مقابل العملات الأجنبية الأخرى بالعرض والطلب، وليس بمعدل ثابت من قبل الحكومة.
ونتيجة لذلك، أصبح سعر الصرف يختلف من منطقة لأخرى في اليمن؛ فالعملات الجديدة المطبوعة في عدن وصلت إلى ألف ريال مقابل الدولار في منتصف 2021، أما في صنعاء التي يسيطر عليها «الحوثيون» فكان سعر الصرف حوالى 600 في الفترة نفسها. وساهمت هذه السياسة النقدية قصيرة النظر في تدهور قيمة الريال والتضخم غير المنضبط.
ومؤخراً وصفت الأمم المتحدة الوضع الإنساني في اليمن باعتباره «حالة طوارئ مزمنة». ومن المرجح أيضاً أن يكون للغزو الروسي لأوكرانيا آثار على البلاد؛ فثلث القمح المستورد في اليمن يأتي من موسكو وكييف.
في غضون ذلك، تكشف تجارب الحكم البديل لمؤسسات الدولة عدم كفاءة وقيودا مماثلة، كما يتضح من تصاعد الاحتجاجات الشعبية في المناطق الجنوبية.

* إيلانورا أرديماجني - المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية