«لا» 21 السياسي
تمكنت قوات الجيش واللجان الشعبية، الأسبوع الفائت، من «تطهير عشرات المواقع والقرى غرب مدينة حرض الحدودية، خلال عملية عسكرية واسعة نفذتها على مواقع القوات السعودية والقوات المساندة لها. العملية استمرت 48 ساعة، وانتهت بسيطرة قوات صنعاء على مساحة تُقدَّر بـ54 كيلومتراً مربعاً، فيما قُتل وأصيب في العملية 15 سعودياً و81 سودانياً.
قد لا يمر يوم في الجبهات إلا ويقتل فيه مرتزقة سودانيون، وبلغ عدد قتلاهم الآلاف منذ بداية العدوان على اليمن. فما هي أسباب إرخاصهم العجيب لأنفسهم ومن قبل حكامهم؟!
في نهاية 2018 كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في تقريرٍ لها عن تجنيد السعودية أعداداً كبيرة من الأطفال السودانيين من إقليم دارفور للقتال على الخطوط الأمامية في اليمن.
تشير الصحيفة إلى أن السعودية استغلت حاجة أسر الإقليم للمال بعد أن أصبحت معدمةً نتيجة سنوات الحرب الأهلية الطويلة، وتوضح ذلك من خلال مقابلةٍ أجرتها مع مجموعةٍ من المرتزقة السودانيين ممن قاتلوا في اليمن.
تشير الـ»نيويورك تايمز» إلى أن السعوديين لجؤوا في الحرب إلى استغلال ثروتهم الواسعة من عائدات النفط للاستعانة بجنودٍ من خارج السعودية للقتال، واعتمدت في هذا بالأساس على تجنيد من يقول الجنود السودانيون الذين أجرت الصحيفة مقابلاتٍ معهم إنَّهم آلافٌ من الناجين البائسين من الصراع في دارفور، ومعظمهم من الأطفال، وتقريباً كل هؤلاء المجندين السودانيين أتوا من إقليم دارفور الذي أفقرته الحرب الأهلية وأنهكته.
توضح الصحيفة أيضاً أن معظم هؤلاء الجنود السودانيين ينتمون لقوات الدعم السريع غير النظامية، وهي مليشيا قبلية سودانية كانت تُعرف سابقاً باسم «الجنجويد».
هذه القوات اتُّهمت بالاغتصاب الممنهج للنساء والفتيات والقتل العشوائي وغيرها من جرائم الحرب خلال صراع دارفور، والآن يقود الجنود المخضرمون الذين شاركوا في هذه الفظائع الجنود السودانيين في اليمن.
وأوضح هؤلاء الجنود جميعاً أن القادة السعوديين والإماراتيين المشرفين عليهم يتحكمون بهم من مسافاتٍ بعيدة، للبقاء آمنين بعيداً عن الخطوط الأمامية، ويوجهونهم للهجوم أو الانسحاب من خلال السماعات اللاسلكية وأنظمة تحديد المواقع التي وفروها للضباط السودانيين المسؤولين عن الوحدات.
وفقاً لمقابلات صحيفة «نيويورك تايمز» مع مرتزقة عادوا من اليمن ومقابلاتٍ أخرى أجرتها مع شقيق مقاتلين اثنين ماتا في الحرب، كانت الطائرات السودانية ترحل من الخرطوم أو نيالا في دارفور إلى السعودية حاملة ألفين أو ثلاثة آلاف جندي كل مرة.
وبحسب روايات الجنود، وفَّر لهم السعوديون الملابس والأسلحة التي يعتقدون أنها أمريكية الصنع، ودرَّبوهم من أسبوعين إلى أربعة أسابيع بالأساس على كيفية فك وتركيب وتنظيف الأسلحة، ثم قسَّموهم إلى وحداتٍ تتكون من 500 إلى 750 جندياً، وسافروا براً إلى اليمن للمشاركة في المعارك في صحراء ميدي أو معسكر خالد بن الوليد في تعز أو بالقرب من عدن وميناء الحديدة.
وقال جميعهم للصحيفة إنهم قاتلوا فقط من أجل المال، وكانوا يتلقون مرتباتهم بالريال السعودي، ما يعادل 480 دولاراً أمريكياً شهرياً للمقاتل عديم الخبرة البالغ من العمر 14 عاماً، و530 دولاراً أمريكياً شهرياً للضابط المخضرم من قوات الجنجويد. وكانوا يتلقون من 185 إلى 285 دولاراً إضافيةً عن كل شهرٍ يشاركون فيه في المعارك، وبعضهم كان يشارك فيها باستمرار.
وشكا جميع المقاتلين للصحيفة من صواريخ أنصار الله، وذكروا وقوع إصاباتٍ عديدة في وحداتهم.
يحكي أحدهم الموقف الذي لا تزال وقائعه ماثلة أمام عينيه، وهو واقعة استدراجه هو وعشرات من زملائه السودانيين والسماح لهم بالتقدم إلى أماكن كان يتحصن فيها أنصار الله بعناية، ويستعيد المرتزق السوداني (24 عاماً) بعضاً من وقائع هذا اليوم الذي أسر فيه الحوثيون أكبر عدد من الجنود السودانين قائلاً: «بعد تقدمنا إلى مناطق تمركز الحوثيين عند كمين نصبه الحوثيون بالقرب من مدينة ميدي اليمنية، واجهونا بأسلحتهم ليقتلوا العشرات من زملائنا، ووقع المئات من الأسرى السودانيين، بينما حال القدر دون استهدافي بعدما تم استبعادي من هذه المهمة في الساعات الأخيرة».
وعند سؤاله عن الكيفية التي يتلقى بها المرتزقة الانتقادات الأخلاقية لدورهم، تحدث شارحاً 
صورة كاملة للجنود: «هُم غير مبالين بالمخاطر أو الأخلاق فيما يتعلق بقتل أناس بسطاء في بلدهم. هُم مهتمون بالعائد المادي ويشجعون الآخرين لخوض التجربة».
وتوضح الصحيفة في نهاية تقريرها كيف تغيرت حياة هؤلاء الجنود بفعل المشاركة في العدوان على اليمن. فبينما أعرب أحد هؤلاء المرتزقة عن شعوره بالرعب كل يوم أثناء الحرب، وهو ما بدا من انتفاضته في كرسيه حين كان يتحدث مع الصحيفة عن المعارك، إلا أنه ذكر أن الضباط كانوا يسمحون له أحياناً بمهاتفة عائلته. وأضاف أن أسرته الآن تشعر بالسعادة لأنَّه اشترى لها منزلاً و10 رؤوس ماشية.