حاوره: نشوان دماج / مرافئ -

الفنان التشكيلي الفلسطيني رائد يوسف القطناني، المولود عام 1973، والمقيم حالياً في مدينة عمان، هو من عائلة فلسطينية مُهجرة ولاجئة، تعود في أصولها إلى قرية يازور قضاء مدينة يافا الفلسطينية. عاش جزءاً كبيراً من عمره في دمشق، متابعاً فيها جميع مراحل حياته الدراسية الأكاديمية والمهنية الوظيفية. تخرج عام 1995 من قسم التصميم الإعلاني (الاتصالات البصرية) في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق. عمل مدرساً في معهد تدريب دمشق التابع لوكالة الغوث الدولية في سوريا (dtc)  وبسبب الأحداث التي تعيشها سوريا، انتقل إلى عمان للبحث عن عمل هناك، ليقيم في 2015 أول وأهم معرض له، فكان لانطلاقته الحقيقية كفنان أن تأتي من الأردن.
«مرافئ لا» التقى الفنان رائد القطناني في حوار مكثف عن تجربته الإبداعية في الفن التشكيلي المقاوم.. فإلى الحوار:

لا مناص إلا أن نكون فلسطينيين
 إلى أي حد استطاعت لوحات الفنان التشكيلي رائد القطناني تجسيد الهم الفلسطيني؟
أنا ابن الهم الفلسطيني، وتربيت على أخبار الشهداء وأخبار الجنائز وأخبار المجازر بحق الفلسطينيين. ووالدي كان أحد رجالات المقاومة الفلسطينية؛ وبالتالي نحن نحيا فلسطين في بيوتنا ونحيا الحياة الفلسطينية، رغم أننا من الذين هُجّروا وخرجوا من فلسطين في العام 1948. نحن نحيا فلسطين في كل مناحي حياتنا، ولا مناص لنا إلا نكون فلسطينيين، وفلسطينيين حقيقيين.

الفنان جزء من وطنه وأمته
 برأيك أين يجب أن يقف الفنان من قضايا أمته؟
إن لم يحمل الفنان همَّ وطنه وأمته فهو مجرد رسام لا يحمل فكراً ولا قضية. بمعنى أن الفنان إن لم يحمل تلك القضايا يظل رساماً عادياً يرسم المناظر الطبيعية والجبال والوديان. وهو أمر محمود على أية حال؛ فالجمال والبحث عنه غاية نبيلة. لكن ستكون أنبل إن بحثت عن أمتك وعن مشاكلها وأزماتها لتكون جزءاً من حلها. فأنت جزء من هذا الوطن ولا تستطيع التنصل عنه.
 ما أهم القضايا التي تركز عليها في لوحاتك؟
من المعروف عني كفنان، أنني -والحمد لله- شديد الالتصاق بالقضية الفلسطينية والتراث الفلسطيني والهم الفلسطيني، وشديد الالتصاق بمدن فلسطين. فحتى عندما أرسم أحياناً في الكاريكاتير فإنني أيضاً أكون على نفس الجانب. أحياناً أبحث عن بعض المواضيع الإنسانية والتي لا تبتعد بمضمونها عن فحوى الوطن.

قصائد مغناة بلوحات
 علاقة لوحاتك بالكلمة واللحن؟
هناك علاقة وثيقة بين لوحاتي وكثير من الأغنيات. فقد رسمت قصائد مغناة بلوحات. وكثير من القصائد كُتبتْ بسبب هذه اللوحة أو تلك من لوحاتي، مثلما أن لوحات رُسمت من قبلي بسبب هذه القصيدة أو تلك. وبالتالي أنا أعمل في هذا الاتجاه منذ عدة سنوات، وأركز كثيراً في أعمالي على الكلمة وعلى اللحن.

الرسم منذ الصغر
 بداياتك مع الفن التشكيلي.. كيف كانت؟
أنا أرسم منذ الطفولة، وبالتحديد منذ عمر الخمس سنوات، وعمري الآن 48 عاماً، أي أنني أرسم منذ ثلاث وأربعين سنة تقريباً. والحمد لله، كانت البيئة خصبة في بيتنا وفي وسطي المحيط من الأهل والأقارب. كما أن الدراسة منحتني الفرصة لأن أكمل في هذا المجال،وبالتالي البدايات كانت منذ الطفولة واستمرت إلى أن أصبحتُ متخصصاً في هذا المجال.

عرفت وطني بـ«جمل المحامل»
 كيف انعكست قضية اللجوء على تلك البدايات؟
مثلما أخبرتك، نحن نحيا الهم الفلسطيني في حياتنا وفي يومياتنا على الدوام. كان هناك على جدار منزلنا، وأنا طفل، لوحة للفنان الفلسطيني الكبير سليمان منصور، لوحة «جمل المحامل»، وهي من أشهر اللوحات في العالم وليس فقط على مستوى فلسطين. فتعرفت على وطني الفلسطيني من خلال تلك اللوحة.

تفتقت موهبتي في دمشق ونضجت في عَمّان
 هل شكلت كلٌّ من دمشق وعَمّان أفقاً رحباً للوحاتك على الدوام؟
بالتأكيد.. فبداياتي كانت في دمشق وموهبتي تفتقت وصقلت هناك. كما أنني درست هناك وعملت هناك، ومعظم خبرتي شكلتها في دمشق. لكنني لم أخض كثيراً غمار العمل الفني إلا من خلال العمل التجاري الذي كنت أسترزق منه هناك. وعندما أتيت مرغماً إلى عمان، بسبب الأحداث المؤسفة التي حصلت في سوريا، لم يكن لدي عمل، وكان لدي من الوقت الكثير خلال بحثي عن عمل هناك، فعدت إلى بداياتي في كوني فناناً، ومن ثم عدت إلى الرسم. والحمد لله، خلال عام من بداية رحلتي في عمان، أقمت في 2015 أهم وأول معرض لي، فكانت تلك هي البداية. ومن عمان عُرفتُ كفنان تشكيلي. صحيح أنني كنت معروفاً في سوريا، ولكن كمصمم ومدرب، وليس كفنان تشكيلي. وبالتالي انطلاقتي الفنية الحقيقية كانت من الأردن.

ذكريات يافا
 ما الذي يمثله قضاء يافا وقرية يازور بالنسبة للفنان رائد القطناني؟
قضاء يافا هو الريف اليافاوي، وقرية يازور تتبع ذلك القضاء، كما أنها أقرب قرية إلى مدينة يافا. وكما يقول محمود درويش: «أنا من هناك ولي ذكريات». وإن لم يكن لي ذكرياتي أنا فلأهلي، لأمي وأبي وجدي. دائماً أستذكر ما كانوا يقولونه عن قريتهم وبلدتهم ومدينتهم، فهي تشكل موروثاً مهماً بالنسبة لي، أستخدمه وأعصره من خلال ألواني على اللوحات.

الحرفية تخدم الفنان
 حرفية الاختصاص وإبداع الفنان هل يمكن لهما أن يتعارضا؟ وهل هناك ما يمكن أن يُفرَضَ على الفنان، سواء من قبل جهات ما أو بسبب طبيعة العمل الحرفي؟
بالنسبة للشق الأول من السؤال: بالتأكيد لا؛ فالحرفية تخدم الفنان وتقدم له حلولاً تقنية. نحن نحتاج إلى الحرفية في عملنا لأنها تعطينا الموارد، إنها تُنبع الإبداع الذي يحتاج إلى تمكن الأدوات، وهذا التمكن لا يأتي إلا من خلال الحرفية. وبالنسبة لشق السؤال الآخر: نعم. فطبيعة العمل الحرفي تفرض نوعية معينة من الأعمال، خصوصاً التجارية. وأحياناً يجب أن نلتزم نوعاً ما بما يمليه علينا صاحب اللوحة. أما في اللوحة الشخصية والتي أرسمها لنفسي أو بنفسي ومن خلال بنات أفكاري، فلا أحد يملي عليّ كيف سأرسمها ولا ما هي الألوان التي سأستخدمها. وهنا أستحضر مثالاً قاله لنا أستاذنا في جامعة دمشق، الفنان السوري الكبير سرور علواني، مفاده أن امرأة أتته تقول له: إن لوحاتك من أعظم اللوحات فقط لو أن لونها كان اللون الـ كذا، الذي يناسب عفشي وأثاث بيتي. فقال لها: من حقك ذلك، ولكنني أطلب منك أن تبدلي أثاث بيتك كاملاً لينسجم مع لوحتي. وبالتالي هذه الثقة مطلوبة عند الفنان: أن يثق بنفسه ويثق بلوحته.

رموز المقاومة
 بماذا تتجسد رمزية المقاومة في لوحاتك عادة؟
المقاومة لها رموزها الكثيرة. فنحن إن رسمنا الحجارة التي بنيت منها المدن فإننا نتحدث عن صمود تلك المدن، وإن رسمنا المدن ذاتها فنحن نتحدث عن صمود أهلها وثباتهم في الأرض، وإن رسمنا الزيتون فنتحدث عن أهل الأرض الذين يتشبثون بها كما الزيتون، وبالتالي الرموز كثيرة في ما يخص المقاومة، ولا تنحصر فقط في المقاومة المسلحة، بالرغم من رمزيتها المهمة. لكن رموزاً كـ الحمام، القباب، الجبال، الوديان، البرتقال، الزعتر... كلها رموز لأمنا فلسطين.

نحصد الـ«لايكات» فقط
 المعارض التي تقيمها من حين لآخر.. هل تجد الصدى المأمول عندك؟
إعلامياً، نعم. فأنا -والحمد لله- حققت حضوراً إعلامياً كبيراً. فقد عُرفتُ عربياً، ونوعاً ما خارج حدود المنطقة العربية. أما في أرض الواقع، فليس هناك إلا ما نسميه في عالم الفيسبوك: «اللايكات». فالناس - للأسف- يأتون إلى المعارض ليضعوا «اللايكات» فقط. وهذا الفنان الذي سخر وقته وجهده وذهنه وفكره لينحز ذاك العمل، ألا يستحق دعماً بأن يُقتنى من أعماله؟! مثل هذه الأمور -للأسف- لا تحدث في منطقتنا العربية؛ وبالتالي نحن نعتمد بعد الله عز وجل على ذواتنا فقط، ولا يوجد لدينا أي مورد أو مصدر لأعمالنا نعتبره دعماً حقيقياً.

البحث عن هوية
 هل نستطيع القول بأنك صنعت هويتك الخاصة التي لا تشبه أحداً سواك؟
لا أريد أن أقول ذلك؛ لكن الكثير من أصدقائي أو المطلعين على أعمالي يقولون: نعرف أعمالك من بين ألف عمل. أنا لا أقول هذا الكلام ولا أدعيه، ولكن أرجو أن أصل إلى ذلك المستوى. فجل ما يطمح إليه الفنان هو أن يحصل على هوية ما لعمله: أن تُرى لوحته ويُعرَف أن هذا فلان مر بلوحته من هنا.

يدمرون وطن العروبة
 كفنان مقاوم.. كيف ترى ما يتعرض له اليمن من عدوان؟
هو ليس عدواناً، بل هو الإجرام بعينه. إن من يُقتَل في اليمن ليس المقاتلين، وإنما الأبرياء. وليست الدبابات هي التي تُدمَّر، بل البيوت والحجر على رؤوس الساكنين. ما يدمَّر هو اليمن، هو عروبة اليمن. ما يدمَّر هو وطن العروبة، ولولا اليمن لن يكون هناك عروبة. وبالتالي هم يدمرون العروبة فينا.

التطبيع هو الخيانة بعينها
 كلمات عن: الاحتلال.. التطبيع.. المقاومة؟
الاحتلال إلى زوال، إنه زائل لا محالة. أما التطبيع فهو خيانة وليس وجهة نظر. وكما قال أحدهم: أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر. وبالنسبة للمقاومة فهي الوسيلة؛ سواء بالوسائل السلمية أم الوسائل المسلحة المعروفة. صحيح أن الكفاح المسلح هو الأساس؛ لكننا كفنانين ومبدعين وكتاب لنا دورنا المهم كمقاومين في سبيل التحرير، أو على الأقل في إعداد جيل يكون هو جيل التحرير بإذن الله.

  كلمة أخيرة تودون قولها من خلال صحيفة «لا»..؟
اسمكم يذكرني باللاءات الثلاثة: لا صلح.. لا اعتراف.. لا تفاوض. ثبتكم الله على مقاومتكم.. ثبتكم على وطنيتكم.. ثبتكم على يمنكم. لكم كل المحبة والتقدير.