علي نعمان المقطري / لا ميديا -

نختم عاماً مضى ونفتح عاما جديدا من أعوام العدوان الستة، لكنه لن يكون ككل الأعوام، ولن يكون كسائر الأيام والأزمان! إنه جديد مختلف، باسمه وشكله وجوهره ورسمه وموضوعه ومحتواه، وأهم علائمه وسماته أنه عام الانتصارات والهجومات التحررية الشاملة، وإن طالت الأيام والليالي، فقد أضحينا في الربع الثالث من الحرب والعدوان ومن عمر الحرب، أي في المرحلة الثالثة ما قبل الأخيرة وينتهي كل شيء إن شاء الله، وإذا هناك من يعجبه التشبيه بالحروب الكبرى في العالم فنقول له إننا في الطور الذي نتج عن معارك ستالينجراد وجروسك الكبرى التي أدت إلى برلين في الحرب العالمية الأخيرة التي أنهت كابوس وفظائع الحرب الفاشية الإجرامية، ودكت معاقل العدوان وقواعده وقواته وطوقته من كل جانب، ولم تترك له منفذا يتنفس منه، فليس أمامه سوى الفناء أو الاستسلام بدون شروط ولا قيود.
هو عام التحرير الوطني الشامل إذن، نعم، هو كذلك بكل يقين، وبكل الحسابات والمنطقيات، فالعدو يواصل تراجعاته ولن يتوقف إلا في قعر برلينه العميقة، في الجحر الذي ولد فيه وخرج منه ويعود إليه، لا باختياره بل هربا إليه أمام توالي ضربات قوات الجيش واللجان الشعبية.
ومعارك مأرب الجارية التي ابتدأت من العام الماضي ومازالت قواتنا تتصاعد وتتقدم من موقع إلى موقع ومن قاعدة إلى أخرى بأقل الخسائر، بينما تكبر التكاليف على العدوان في قواته ومرتزقته مع مرور كل يوم من الحرب وتكاليفها المتصاعدة عليه، حتى جعلته أعرج لم يعد يحسن الوقوف على قدميه ولا يحسن السير كسيحا، لا يحسن الدفاع ولا الهجوم، وهو ما يسهل كسره.

العـدو الأعـرج يسهـل كسـره
العدو لا يجيد الهجوم ولا يجيد الدفاع ولا الالتفافات ولا يحتمل معاناتها، فهو في حماية الطيران والأسلحة الجوية، وينهار عند أول عجز أو تعثر تواجهه أساطيله الجوية الهائلة العدد. ولو لدينا مثقال من عشر تلك القوات والأسلحة لما كان الكيان الصهيوني يرتع في أراضينا العربية والإسلامية إلى اليوم.
قوات وأسلحة هائلة العدد والقدرات، لكنها قوات تخلو من أهم أسلحة الحروب، وهي الروح.

أزمة العدوان كامنة في هوليووديته
هي أزمة رجال افتراضيين غير حقيقيين، مثل شخصيات السينما والمسرح والنت! هم أشخاص افتراضيون وليسوا حقيقيين، وإنما هم يؤدون أدواراً مرسومة بعناية لهم من قبل السيد الأكبر للمنطقة وللمشروع الاستعماري. هم ممثلون في بلاط الاستعمار، يخفون حقيقة المالك الحقيقي للمنطقة والبلدان الخليجية، وينفذون أوامره وتوجيهاته دون أن يظهر للوجود كل يوم، ويغدق عليهم بألقاب الملوك والأمراء والشيوخ والرؤساء، وينعم عليهم بعطايا ومرتبات ضخمة، وينشؤون في أجواء مترفة منعمة من النعيم والرفاهية، ولذلك قد ينسى بعضهم أنه مجرد كومبارس افتراضي وليس حقيقياً، فيذهب ليتصرف تصرفات الرجال الحقيقيين والملوك والحكام الحقيقيين، ويشنون حروبا وعدوانات على الشعوب المجاورة، لكنهم يصطدمون عند المواجهة برجال حقيقيين وليسوا مجرد ممثلين وافتراضيين، ورماة حقيقيين وليسوا مجرد كاو بويز هوليوودية يحملون بنادق تمثيل لا تفرغ أبدا من الرصاص اللباني اللدن.
تلك إذن أزمة العدوان وقيادته، وهم يشبهون كثيرا الدمية الصينية التي لها شكل النساء وصورهن وأصواتهن، ولكن أين هن من النساء الحقيقيات؟! إنهن مجرد دمى وهياكل للتصوير في مسرحية محددة سلفا. وقد وقع المرتزقة التابعون لأولئك الكائنات الافتراضية في مأزقهم الذي لا مخرج منه سوى الاستسلام أو الهزيمة والفناء الحقيقي. إنهم لا بد وأن يأتي عليهم يوم يحتقرون فيه أنفسهم على ما هم عليه من هوان وتحقير وسقوط لا قرار له ولا نهاية.
ومع الرئيس بايدن، سوف يبكي ابن سلمان حاميه وسيده الأثير الراحل عن البيت الأبيض ترامب، وسوف يقدم الكثير والكثير من التنازلات للتقرب إلى العرش الساكسوني الجديد، فترامب الحقير المجنون قد خلف خلفه خراباً اقتصادياً وصحياً استراتيجياً لن يستطيع أحد بعده أن يلملم أطرافه مجددا، فليس كل ما ينشق ينصلح، ولا كل ما يتمزق يرقع، ولا كل ما انكسر يجبر مرة أخرى، وهذا هو حال الدنيا وحال الأمم والدول والبشر عامة، الأمراء والغفراء والملوك والعوام سيان، فالناس كلهم من أصل واحد وإلى مصير واحد، وعلى نظام كوني واحد ومنطق واحد، فالفارق هو قدرة البعض على التعلم من تجاربه وحماقاته وعجز الآخرين عن التمييز بين البحر وبين بركة المياه واستخلاص الحكمة والجدوى من كل أزمة أو زنقة أو كارثة أو مصيبة أو مشكلة مهما تكن تفاهتها وبساطتها، وقيادة العدوان وأسيادهم من الصنف المذكور، أي أنهم من القوم "الافتراضيين"، فكل ما يخصهم هو وجود افتراضي وليس حقيقياً، وتشويه رجولة الناس وإنسانيتهم منذ ولادتهم غير مقبولة، ولو كانت من العدوان فهي مدانة ولا نلوم أصحابها، لأنها تتم بدون إرادتهم أصلا، ولكننا فقط نشرح للمغفلين من أبناء جلدتنا أنهم واقعون في مأزق لا علاج له أصلا ولا مخرج منه، فالحالة سرطانية مشوهة، ولو صببتم عليها جبال الأسلحة الناتوية كلها وأموال النفط والبنوك في العالم كله وأحضرتم الأساطيل كلها فلا جدوى ولا نتيجة ولن تضيف شيئا قيما جديدا.
إنها حالة مخطط لها أن تكون كذلك من البداية، وإلا ما استمروا على الكراسي عقوداً بعد عقود، إنهم مخصيون، ليس من طبائعهم إنتاج أو إنجاز ما ينجزه الآخرون الحقيقيون. هم مفرخون في فقاسات على عجل بالاعتماد على الوسائل الهرمونية، فليس من طبيعتهم التعلم ولا القيام بالأعمال الطبيعية والوظائف الرجولية، وإن حملوا مظاهر الرجولة الخارجية.
فالمستعمر لا يجند في أجهزته الخادمة إلا من كان بهم عاهات واضحة في سلوكهم وطبيعتهم وأخلاقهم ورغباتهم الشاذة والمتطرفة وانحرافاتهم وآفاتهم، وإلا فهو لا يجندهم، لأن من لا يجد فيه نقاط ضعف يستطيع من خلالها أن يسيطر عليه وأن يضغط عليه ويهدده عند كل تردد أو محاولة للتمرد فهو زواج كاثوليكي، لا طلاق فيه ولا تكافؤ.
ومشكلة قادة بني سعود وأشباههم هي أنهم من تفقيس وتربية تلك الأجهزة الصهيونية التي لا تعرف الرحمة ولا المبادئ ولا العقائد ولا الأخلاق، هي تربية أجهزة شيطانية تريد أن تمسخ كل القوى والأشخاص الذين يشغلون وظائف هامة وقيادية في الكيانات التابعة للاستعمار، وهم لا يريدون أن يصنعوا رجالا حقيقيين وأقوياء الشخصية وأصحاب استقلال في الرأي والقرارات، ولا أن يعلموا رجالا أوفياء لبلدانهم وشعوبهم، لأن ذلك خطر على المشروع الاستعماري الذي يحرصون عليه ويعبدونه، وهناك حالات نادرة حاول فيها بعض الأمراء أن يكون لهم بعض الاستقلال ولو شكليا وصوريا فكان مصيرهم الإبعاد والإقصاء والتنكيل والتصفية بطرق مختلفة.

الذئاب تفترس الذئاب
الطريقة المفضلة للأجهزة الغربية المسيطرة هي إثارة التنافس والصراعات بين الرؤوس والأمراء والطامحين إلى الحكم، حيث يتم استغلال ذلك عند الضرورة في إطلاق بعضهم على بعض، والأمثلة حاضرة في التاريخ، مثل إطلاق الأمير علي بن الحسين النار على أبيه أمير الحجاز، وإطلاق الأمير حسين بن طلال النار على أبيه في إمارة الأردن، وإطلاق الأمير فيصل النار على أخيه الملك سعود في شمال الجزيرة العربية، وإطلاق الأمير مساعد النار لقتل عمه الملك فيصل بعد ذلك خلال أزمة أسعار النفط في الغرب بعد حرب أكتوبر، وإطلاق الأمير قابوس النار على أبيه السلطان سعيد بن تيمور في عمان مطلع السبعينيات، وإطلاق أمير البحرين النار على أبيه وإبعاده عن الحكم والجلوس مكانه، وتغيير اسمه إلى ملك البحرين، الدولة التي لا تزيد عن حي في البصرة من حيث مساحتها وسكانها، وإطلاق الشيخ صباح الأول الكبير النار على أخيه شيخ السوق والجلوس مكانه أميرا على الكويت، وإطلاق الأمير حمد آل ثاني إلى إبعاد أبيه أمير قطر وحبسه والجلوس مكانه.
كل هذا تم ويتم بأوامر بريطانية أمريكية تهيمن على المناطق والكيانات المستنسخة والمفرخة المسماة الخليجيات، وأخيرا إطلاق ابن سلمان على ابن عمه محمد بن نايف والجلوس مكانه واعتقال واغتيال العديد من المعارضين ووضع الآخرين في السجون، واغتيال رئيس الحرس الملكي الفريق الفقم، واغتيال الصحفي خاشقي في إسطنبول التركية بتحريض ورعاية وحماية مباشرة من ترامب وأجهزته. وإعلان شن العدوان على بلادنا الذي تم من واشنطن هو خير دليل على ذلك. إنهم مجرد دمى يحركونها وفقا لأهدافهم، ويوقفونها متى أرادوا ذلك ومتى استوفوا استنزافهم المالي النفطي المطلوب.
والسؤال الأهم هو: لماذا أدخلوا السعودية في مستنقع العدوان؟ وهل سيحمونها حقا إذا انهارت؟!
الجواب هو أنهم أدخلوها في المستنقع لأن لهم عدة أهداف استراتيجية يريدون تحقيقها، وفي مقدمتها استنزاف الثروات العربية والخليجية واليمنية الضخمة، وإضعاف السعودية كدولة كبيرة المساحة والثروات والسكان، وتفتيتها لكي لا تشكل مستقبلا خطرا على الكيان الصهيوني وكيانه والاستعمار ووجوده في الداخل السعودي العربي، ومنعها من بناء جيوش كبيرة حقيقية تشكل خطرا انقلابيا جمهوريا مستقبليا، وأن تظل بحاجتهم دوما، أي ألا تنمو وتكبر، وأن تكون "إسرائيل" هي القوة الحقيقية السائدة في المنطقة، وأن تكون هي الحامية لها وتتواجد في قواعد عسكرية داخلية إلى جانب القوات الأمريكية والغربية على الخليج والجزيرة والبلاد العربية، وجعل العرب في حال تفرق واحتراب دائمين، وتفتيت كياناتهم وتجزئتها باستمرار وإضعافهم أمام أعدائهم، وإعدادهم للهزائم دوما، فهمها أن تستنزف أموالهم وثرواتهم وكرامتهم وشرفهم، وتمتهنهم وتسلب المزيد من الأرض والثروات والمياه والبحار لضمها إلى الكيان الصهيوني وأخواته.
إن الحرب والعدوان ضرورة أمريكية صهيونية، وبغض النظر عمن يجلس على دست الحكم، يمينيا كان أو يساريا أو ملكا أو رئيسا أو صعلوكا أجيرا، لأن أمريكا تشارف على الانهيار، وهي تكاد تحتضر الآن إذا لم يتم إنعاشها بدماء مالية جديدة لا تملكها.
إن أمريكا تمر في أسوأ مراحل تاريخها الاقتصادي والسياسي على الإطلاق، وجوهر أزمتها المباشرة هي ديونها التي تربو على 60 تريليون دولار؛ ناتجة عن نفقاتها في الحروب والفتن والتدخلات الإقليمية الدولية التي استثارتها ضد العالم كله لإحكام سيطرتها وهيمنتها، وها هي تنهار تحت ثقل تلك الديون والنفقات الضخمة التي تتجاوز طاقتها الإنتاجية وقدرتها الاحتياطية ودخلها القومي السنوي العام، وقد تحولت من دولة غنية دائنة للعالم إلى دولة مدينة للعالم كله، وهي مازالت تنفق أكثر من دخلها العام، وأمام عجزها عن الوفاء بتسديد أقساط قروضها فإنها تضاعف ديونها عبر المزيد من الفوائد البنكية الربوية، وهي بذلك تمر بأسوأ أزماتها على الإطلاق، وليس لها من مخرج سوى ما تراه أمامها من أموال عربية سائبة في بنوكها لا يستطيع أهلها سحبها بموجب القوانين الأمريكية، وليس أمامها سوى الاستيلاء على تلك الأموال العربية والنفطية وتحريك اقتصادها المتعثر، ومنع انفجار الكارثة الاجتماعية والاقتصادية المنتظرة والمؤجلة من زمن بعيد، ولذلك فلن تتوقف حتى تشفط تلك الأموال الضخمة، وقد عبر ترامب وقبله أوباما عن نواياهم تلك بوضوح وصراحة وضراوة، فهي تؤمن أن المال مال ترامب وأمريكا والغرب عامة، أما الملوك والحكام الرعاع فما هم إلا عبيد إحساناتها وصناعتها.
وهي تقول لابن سلمان وأبيه وغيرهما: سنأخذ الكثير من الأموال المودعة والمخبأة تحت الأرض وفوقها، ولن تتخلى عن هذا الكنز السائب ولو كلفتها الحرب، وبطريقتها الخاصة إذا لم يستجيبوا، وهذه المسألة هي الرئيسية في كل اتصالاتهم ولقاءاتهم واجتماعاتهم المغلقة. وإن مشروع الحرب على اليمن كان من أهدافه وما زال السيطرة المشتركة على مناطق النفط والممرات والجزر والموانئ والسواحل اليمنية. ولم يكن هادي أو غيره سوى الذريعة والمحلل لتحقيق الأهداف المحورية للعدوان. وما يفعله ابن زايد والزبيدي وهادي وعلي محسن وابن سلمان هو في هذا الإطار، ولا شيء سواه أو خارجه أو بعيد عنه أو متعارض معه.
كان سلمان وابنه كالجارية الأكثر إتحافا وإغداقا لسيدها الأمريكي من ابن نايف، لذلك تجاوبت معهما الإدارة الأمريكية ومنحتهما صكوك المنصب والعرش، وعندما يتوقفان عن الإيفاء بمطالبها فإنها سوف تفتح الطريق أمام أمير آخر ينتظر دوره في لعبة التنافس على قلب السيد الأمريكي، فالعرش يساوي المزيد من الأموال، وهذا يتم عبر المزيد من الحروب والفتن والأزمات والإرهاب وتصدير السلاح المكدس.
ولكي تبقى المملكة يجب أن تبقى أمريكا والغرب أعزاء وافرين غير مأزومين ولا محرومين ولا مديونين، وتلك هي قواعد الترامبية الجديدة القديمة التي لا تستطيع تجاهلها الكروش ولا العروش، وهي مقيدة بها أبديا، وأولئك الدمى المشوهة تعرف ماذا تريد أمريكا وتخضع لها، وإن حاولت التظاهر ببعض المظاهر الصورية التي لا تغير شيئا.
أما التباينات الجزئية التي تنشأ بينهم أحياناً فهي ليست سوى مشاغبات بين سيد وبين جواريه وغلمانه ومواليه وخدمه في أي سوق من أسواق النخاسة، ولا يمكن البناء عليها وأخذها بجدية أكبر من اللازم.