حاورته/ دعاء القادري - مرافئ -

في قصيدته «ليتني حمامة»، التي حملت عنوان ديوان الشاعر أوس مطهر الإرياني، تلتمس النَّفَسَ الغنائي ذاته الذي سطر قصائد والده؛ فكأنك أمام الاغتراب نفسه الذي في قصيدة «البالة» والحنين نفسه إلى العودة إلى تلك الديار/الوطن، ولكن هذه المرة على لسان الأنثى.
تقول القصيدة:
مشتاقهَ ارجع ليتني حمامةْ
تسري بها لارض الوطن غمامةْ
أضوي بلاد العزّ والكرامةْ
أسعى من المَهرة إلى تهامةْ
  *  *  * 
الشوق يقتلني بكلّ ليلةْ
دمعي مطر في ليلتي الطويلةْ
كُلْ مَنْ يناظر في السما سهيلهْ
وانا الثريّا في سما الندامةْ
الشاعر أوس مطهر علي الإرياني، من مواليد 1975، مطور مواقع إلكترونية، يكتب الشعر الفصيح والشعبي والقصة القصيرة. عضو في عدد من الصوالين والأندية والملتقيات الثقافية في اليمن. لكنه يصر على كونه مبرمجا وذا اهتمامات شعرية وأدبية. مرافئ لا التقى الشاعر في حوار حول تجربته الشعرية؛ فإلى الحوار:


شاعر رغم أنفه
 حبذا لو تحدثنا عن بداياتك في كتابة الشعر..؟
بدأت كتابة الشعر في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، إلا أني انشغلت عنه بعد دخولي عالم الكمبيوتر وتقنية المعلومات، فبهرني هذا العالم وأخذ كل وقتي، وانصرفت عن كتابة الشعر وإن لم أنصرف عن قراءته. وبعد سفري إلى القاهرة عام 2015 لعلاج الوالد رحمه الله، قضيت هناك ما يقارب السنة بعيداً عن ضغط العمل، فاستطعت أن أعود للشعر، وعدت من يومها للكتابة.
  لماذا اتجهت للشعر العامي؟
في الحقيقة لم أتجه للشعر العامي، فقبل ديوان «ليتني حمامة»، وهو ديوان شعر عامي، كنت قد نشرت ديواناً بعنوان «شاعر رغم أنفه»، وهو ديوان شعر عمودي فصيح، ولي ديوان لايزال قيد الإعداد بعنوان «انفصال شخصية»، وفيه شعر عامي وفصيح. 
  كيف تطورت التجربة الشعرية لديك؟
كما قلت سابقاً، إنني عدت للشعر بسبب قلة ضغط العمل، فالكتابة تحتاج للتفرغ، وكلما تفرغ الكاتب زاد إنتاجه كمّاً وكيفاً، لكن التفرغ الكامل صعبٌ لأسباب عديدة، ولذلك أحاول الاستفادة قدر الإمكان من أوقات الفراغ المتاحة.

تأثير كبير على المشهد الثقافي
  كيف ترى المشهد الشعري بصورة عامة؟
لا يجدر بي أن أقيم المشهد الشعري من الأعلى، فهذا شأن المختصين من النقاد، لكني أستطيع أن أقيمه كأحد المهتمين، والمتابعين لهذا المشهد، فلا شكّ أن الظروف التي تمر بها البلاد قد أثّرت بشكل كبير على المشهد الثقافي بشكل عام، وليس فقط المشهد الشعري، وكم كنت أتمنى ألا تمتد الخلافات السياسية إلى المشهد الثقافي، فعلى الرغم من أن النخبة المثقفة هي الفئة المنوط بها التصدر للقضايا المصيرية التي تعصف بالوطن، والذود عن الوطن بالكلمة، إلا أننا جميعا مدركون أن ما يحدث في بلدنا العزيز سوف ينتهي عاجلاً أم آجلاً، وفي النهاية سيكون هناك اتفاق بغض النظر عن تفاصيله، ورؤيتي الشخصية أن المثقفين هم الأقدر على خلق هذا التقارب، والتسريع فيه. وحتى لا نخرج عن دائرة الشعر، أشبّه ما يحدث في بلادنا بما قاله الشاعر الرائع البحتري الذي قال:
وفرسانُ هيجاءٍ تجيشُ صدورُها 
بأحقادِهَا حتَّى تضيقَ دروعُهَا
تُقَتِّلُ مِنْ وِتْرٍ أعَزَّ نُفُوسِها 
عليها بأيدٍ ما تَكَادُ تُطِيعُهَا
إذا احْتَرَبَتْ يومَاً ففاضَتْ دماؤُهَا 
تَذَكَّرَتِ القُربَى ففاضَت دموعُهَا
  ما هي الرسالة التي توجِّهُها لوزارة الثقافة؟
عطفاً على ما ذكرت في جواب السؤال السابق، فإني أرى أن المهمة الملقاة على عاتق وزارة الثقافة في توحيد الصف الوطني، هي الأكبر بين مؤسسات الدولة، وأعتقد أنّ مهمتها ستكون واضحة للعيان قريباً عندما تتحرك المياه الراكدة في بحيرة الحل السياسي.

غياب النقد البناء
  وجّهت في الكلمة التي ألقيتها في حفل توقيع الديوان لوماً للمؤسسات الثقافية، ما هو مضمونه؟
حالفني الحظ أني كنت عضواً في عدد من المؤسسات والنوادي الثقافية، فأنا عضو في صالون نجمة الثقافي، ورئيس منسقية الإعلام في نادي القصة، وعضو مؤسس في ملتقى كيان الثقافي، كما أحضر العديد من الفعاليات لمؤسسات ثقافية متعددة، أهمها مؤسسة بيسمنت الثقافية، بالإضافة إلى فعاليات اليمن تكتب، وأبجديات وغيرها.
وقد لاحظت أمرين أظنهما مهمين، وأتمنى من الفاعلين في هذه المؤسسات تداركهما، الأول أن استفادة الكتّاب الجدد من أمثالي، تكون قاصرة عند عرض أعمالهم في هذه المؤسسات، لأن «الطبطبة» والمديح يطغى على «النقد البناء»، فالمدح الزائد يُفقد المشمول بالنقد فرصة الاستفادة من معرفة أخطائه وتداركها، أما النقد غير البناء، من نوعية «لا تكتبش»، فهو مرفوض أيضاً لأنه يُعتم الطريق على الكاتب ولا ينيرُه، فالنقد المطلوب هو النقد البناء الذي يعرّف المشمول بالنقد على أخطائه دون تجريحٍ أو إساءة، وهذا ما تفتقر إليه الكثير من المؤسسات الثقافية.
الأمر الثاني، أن مؤسساتنا الثقافية تعمل كلٌّ منها بمفردها، ليس فقط دون التنسيق مع المؤسسات الأخرى، لكن أحياناً تتعمد عدم التنسيق! وأتمنى أن تجمع في الفترة القريبة المقبلة أعمالٌ ثقافيةٌ كبيرة عدداً من المؤسسات الثقافية، وذلك سيحقق هدفين؛ الأول: إمكانية عقد ورشات ثقافية، أو مؤتمرات مصغرة تخرج بنتائج مهمة في المجال الثقافي، يمكن التعويل عليها، بدلاً من عقد فعاليات متواضعة لكل مؤسسة على حدة. والثاني: أن نتعود في مؤسساتنا الثقافية على مبدأ «روح الفريق» ليس فقط بين أعضاء المؤسسة الثقافية نفسها، بل لتشمل أفراد الوسط الثقافي بشكلٍ كامل.
   بالعودة إلى شعر العامية، ما هو رأيك بالشعراء العاميين من الجنسين؟
أعود للتأكيد على عدم أحقيتي على التقييم، وأن أكثر ما يمكنني إبداء ملاحظاتي عنه هي ملاحظات المتابع والمهتم، لا ملاحظات الناقد والموجّه. وأرى أن شعر العامية حالياً قد تأثر بالتأكيد بالظروف الحالية، لكن لا خوف عليه.

هؤلاء من تأثرت بهم
  من هم الشعراء الذين تأثرت بهم؟
في العامية، لا شكّ أني تأثرت بوالدي مطهر الإرياني -رحمه الله- بالدرجة الأولى، وتأثرت كثيراً بالشاعر الكبير حسين المحضار، رحمه الله، وعدد من الشعراء أمثال: علي صبرة، أحمد فضل القمندان، ومحمد سعيد جرادة، رحمهم الله أجمعين، وتأثرت بعددٍ من شعراء الحمينية أمثال: علي العنسي، وعبدالرحمن الآنسي وابنه أحمد، وابن المفتي، وغيرهم.
أما في الفصيح، فأكثر من تأثرت بهم هو أبو الطيب المتنبي، أبو تمام، المعري، وزهير بن أبي سُلمى، ومن العصر الحديث، أحمد شوقي، ونزار قباني.

شمس العلوم
  ماذا تعلمت من والدك باعتباره مؤرخاً وشاعراً؟
أشكرك أولاً على تقديمك للمؤرخ على الشاعر، فالوالد رحمه الله، وعلى الرغم من معرفة الناس له كشاعرٍ، إلا أنه كان يفضل المؤرخ على الشاعر، وله العديد من الدراسات التاريخية مما لا يهتم به العامة -رغم أهميته- لأنه بعيدٌ عن تخصصهم، أما الشعر فقد عُرِف به لأنه لامس الجميع دون استثناء.
وبالعودة إلى سؤالك فإن جوابه بسيط، لقد كان مطهر الإرياني بالنسبة لي شمساً أشرقت عليّ لأكثر من 40 سنة، فأثرت عليّ دون أن أستطيع أن أميّز أو أحصيَ فوائدها، وما أستطيع أن أقوله بثقة أنه كان «شمس العلوم» بالنسبة لي، الذي تعلمت منه ما أتذكره وما لا أتذكره.

مات ليبقى
  ما هي أعمالك؟
كما ذكرت سابقاً، فأنا «حديث العهد» بالتفرغ للكتابة، لذلك ليس لي إلا ديوانا شعر هما «ليتني حمامة»  عامي، و«شاعرٌ رغم أنفه» - فصيح، وقيد الإعداد ديوان شعر بعنوان «انفصال شخصية»، وأيضاً قيد الإعداد «مات ليبقى»، وهو مجموعة ومضات وقصص قصيرة جداً، و«العفريت» وهو مجموعة قصصية.
  ما هي طموحاتك؟
أكبر من أن أذكرها.
 كلمة أخيرة توجهها لمن تريد.
أشكر صحيفة «لا» ممثلة برئيس تحريرها الأستاذ صلاح الدكاك، وكامل فريق العمل، وأخص منهم الأستاذة دعاء القادري، وأشكر ملتقى كيان الثقافي الذي كان له الفضل في إقامة حفل توقيع الديوان، وأشكر كل من اقتطع من وقته جزءاً لقراءة هذا الحوار.