أنس القاضي / مرافئ لا -

«قده خاربه خاربه»، مقولة شعبية شائعة في الوعي الاجتماعي اليومي، تعكس وتكثف أحاسيس اليأس الموجودة في المجتمع، إلى حد الشعور بأن أبواب الفرج أغلقت وصدئت أقفالها، وبأنه لا مخرج من المصائب والتحديات القائمة في الحياة، ورغم أن مشاعر اليأس طبيعية وجودها في المراحل التاريخية الصعبة كانعكاس لواقع التقهقر ولآلام مخاضات ولادة الجديد، إلا أن المرفوض أن يُصبح اليأس وعيا ونمطا للتفكير مؤثراً على الموقف والسلوك الجماهيري. 
تتناقض المقولة مع سير حركة التاريخ، ومع منطق الحياة، كما تتناقض مع الإيمان بالله، وتتصادم مع النشاط الإنساني المُخطط المبرمج، فمن كل الجوانب الإيمانية الغيبية والواقعية العملية والعلمية نجد أن هذه المقولة غير صحيحة، وإذا كان تلفظ الإنسان البسيط بها أمراً مُستنكراً، فأن ترد هذه المقولة على ألسنة من لهم تعليم متوسط وقدر من الثقافة، فالمصيبة أعظم!
تقوم المقولة «قده خاربه خاربه» على الافتراض بأن التقهقر سرمدي، وبأن البلد دخل في مسار من التراجع والانحطاط، وأًصبح محكوماً به، ولا يُمكن تغيير هذا الواقع، والانتقال إلى مسار النهوض والتقدم والازدهار، وهذا الافتراض والوعي في التعامل مع التحديات القائمة خطير في تأثيره على مواقف وسلوكيات الجماهير التي تتخذ استناداً على هذا الوعي مواقف سلبية من الواقع، وتبحث عن الحلول الخاصة والأنانية في أحسن الأحوال، وتتسع الهوة بينها وبين القضايا العامة الكُلية التي بحلها تُحل القضايا الخاصة والجزئية.
التصورات السوداوية التي تثبتها هذه المقولة وانسداد الآفاق الذي توحي به، تعمل على إخضاع الجماهير للواقع السيئ، وتحد من مبادرتهم ومشاركتهم في كل سلوك ونشاط بناء متناقض مع المقولة (التي ترسخت لديهم باعتبارها قانوناً ثابتاً)، فتحد من اندفاع المجتمع نحو المشاركة في الثورة الشعبية والكفاح الوطني في مواجهة الغزو الأجنبي والاشتراك في المبادرات والمسؤوليات الاجتماعية كمقاطعة السلع الأجنبية وحضور التظاهرات والفعاليات الدينية الوطنية.
هل حقاً الواقع خارب ولا يوجد أي صلاح، أو جديد؟ على خلاف المقولة التي تعمم مشهداً واحداً من الواقع، ففي كل واقع اجتماعي جانبان سلبي وإيجابي، فمع وجود التراجع والتخلف، هناك تقدم وتطور أيضاً، وتختلف النسب بينهما، إلَّا أن واقع الصلاح الجديد يشق طريقه من خلال واقع الخراب، ومسؤولية الإنسان هي تعزيز العوامل الإيجابية وتلمس الجديد.
إذا ضربنا مثلاً من الملموس التاريخي على اعتباره إشارة إلى أن الواقع يتغير من الخراب إلى الصلاح، فهناك تحسن نسبي في حركة السير في العاصمة صنعاء، وتخفف الزحمة في بعض الجولات التي كانت خانقة. ومثال آخر يتمثل في سد ثغرات الحاجز الحديدي في الرصيف الأوسط لشارع التحرير، سد ثغراته أدى إلى الحد من قطع الشارع بطريقة غير قانونية مهددة للحياة ومعيقة لحركة السير؛ فاضطر المشاة إلى الانتقال من النفق الذي كاد يُنسى، هذه أمثلة بسيطة من وجود تغيير إيجابي في ما يلامسه المواطن في الحياة اليومية، يُشير إلى إمكانية التطور.