
بشرى الغيلي/ لا ميديا
ما إن سمعت "أم هديل" (40 عاماً ـ موظفة) بهبوط سعر الدولار، فرحت كمن عثر على شيءٍ بحث عنه وانتظره طويلاً. أخذت الـــ(3) آلاف ريال لتشتري حاجيات مطبخها الذي بات حاله حال مطابخ بقية المواطنين الذين يعانون من انقطاع المرتبات، وخرجت مسرعة الخطى إلى بقالةِ الحارة وهي تحدث نفسها: (سأشتري كيلو سكر، وكيلو أرز، وزيت كبير، و... و... وأخيراً سأفرّح أطفالي وأصنع لهم ما يشتهون!). تواصل (أم هديل) لصحيفة (لا): (لكن للأسف كل ما توقعته تبخر في الهواء، وخاب ظني حين قال لي صاحب البقالة: لا تطلبي لبن العصفور! الدولار هبط لكننا اشترينا بضاعتنا بأسعار مرتفعة ولا يمكن أن نبيع بالسعرِ القديم).
ومثل (أم هديل) الكثير من المواطنين الذين تبخرت فرحتهم باستقرارِ سعر الدولار وصُدموا ألا فائدة ترجى من هبوطه الذي لم يغير من الواقعِ شيئا، فالسلع ما زالت كما هي، بل في تصاعدٍ نغص على من يعانون من شحةِ الدخل، وانقطاع المرتبات، وفاقم معاناتهم، فوق ما يعانون من العدوان الأمريكي السعودي والحصار الذي أوشك على إكمال عامه الرابع.
صحيفة (لا) تلمّست تلك الأوجاع عن قُرب، ونزلت إلى الميدان والتقت بعض التجار، سواء في محلات السلعِ الغذائية، أو محلات المستلزمات الأخرى، وطرحت ذلك على المختصين في وزارةِ الصناعةِ والتجارة...
حقيقة هبوط الدولار
المكان صار أشبه بالفُرجة، ينظرون إلى السلع ولا يلمسونها. مجموعة من الزبائن أصيبوا بالذهول بأن هبوط الدولار لم يستفيدوا منه شيئا، بل تضاعفت أوجاعهم حين هرولوا مسرعين لشراء حاجياتهم ولا جديد تغيّر.
أخذنا مجموعة من السلع لنستفسر عن أسعارها، وقلنا للتاجر: الدولار هبط فما حُجتكم باستمرار ارتفاع الأسعار؟! قال: (إحنا اشترينا والدولار مرتفع، ومن الغباء أن تصدقوا هُراء الإعلام، لا يمكن أن نخسر بضاعتنا التي اشتريناها والدولار مرتفع ونبيع برخص!). تركناه وهو يردد نفس الأسطوانة المشروخة لجميع الزبائن، والتقينا البعض منهم...
عبدالحميد صالح (50 عاماً ـ رب أسرة وأب لخمسة أطفال) قال: (جئنا لنشتري بعد أن عرفنا بهبوط سعر الدولار وإذا بسعر كل شيء كما كان، ولا يوجد شيء رخيص، نفس الأسعار، خرجت بــ1500 وفي الأخير اشتريت كيسين خبز، وعلبة فاصوليا، وسلطة!). يضيف بغصة: (تخيلي 1500 في هذه الأشياء فقط).
أما نهلة عبدالله (29 عاماً ـ ربة بيت) فقالت: (الدولار لم يهبط سوى في وسائل الإعلام، وأما في البقالات والمحلات التجارية فهو كما هو وأزيد من قبل، حتى الألف الريال لم تعد تكفي لوجبة واحدة، الألف صار ثمن مناديل ورقية للأسف، وإذا لم نلمس حلولا من قبل الصناعة والتجارة، فلا يعنينا هبوطه أو ارتفاعه).
انخفاض بلا فائدة
وهنا رأينا أن علينا في صحيفة (لا) التواصل مع المعنيين في وزارة الصناعة والتجارة. أغلب أولئك المعنيين لم يردوا على استفساراتنا، بحجة الانشغال بالاجتماع الطارئ، وأن النتائج لم تخرج بعد. لم نيأس، وبقينا نتواصل معهم حتى لحظة تحرير هذه المادة. مصدر واحد تجاوب معنا، وفضل عدم ذكر اسمه، حيث قال: (إن لم تكن الدولة جادة في تخفيض الأسعار فإن هذا الانخفاض في سعر صرف الدولار غير مُجدٍ، فلا بدّ من تدخّل الدولة وتسخير كل الإمكانات لمواجهة العدوان والحصار الاقتصادي الذي بدأت تركّز عليه القوى المعادية بعد فشلها في تحقيق أهدافها عبر الإرهاب العسكري). يضيف المصدر المسؤول: (اليوم نحتاج إلى استقرار سعر الصرف عند مستوى معين... والبنك المركزي مدعو للدفاع عن سعر صرف الريال أمام الدولار، لأنها الطريقة الوحيدة لرفع القدرة الشرائية للناس).
كم ارتفاع سعر الصرف؟
أضاف المصدر متسائلا في جانبٍ آخر: (كم كان ارتفاع سعر صرف الدولار وما رافقه من قفزات جنونية لجميع أسعار السلع والمنتجات في الأسواق المحلية؟). يرد المصدر نفسه: (مؤخراً ارتبط حديث الناس بتراجع كبير في مستوى المعيشة نتيجة لذلك، وقد أصبح اليوم الحديث عن تراجع سعر صرف الدولار أمام الريال، وتداعيات هذا الحدث الذي لطالما انتظره المواطن على أحر من نار الأسعار التي ألهبت جيوبه وأفرغتها من محتوياتها، ورافق هذا الحدث المنتظر حالة ارتياح عامة لدى المواطنين، مشوبة بالتشكيك في نوايا بعض التجار والمتحكمين باستيراد السلع والمواد الأساسية والبضائع إلى الأسواق المحلية، وقيامهم بتصحيح أسعارها كما كانوا يفعلون في السابق وبشكل سريع عندما كان يرتفع سعر صرف الدولار أمام الريال). ويضيف المصدر: (هذا التصحيح نعني به تخفيض الأسعار بالنسبة نفسها التي تراجع بها سعر صرف الدولار، إن لم نقل أكثر).
مبررات واهية
اجتماع وزارة الصناعة والتجارة الذي تم عقب هبوط الدولار خرج بجملة من القراراتِ، منها إلزام التجار بالاتفاق مع الغرف التجارية والصناعية على التقيد بإشهار الأسعار والالتزام بالبيع بالفواتير وتخفيض الأسعار بنفس الآلية والسرعة التي ارتفعت بها. في هذه الجزئية يعقّب المصدر المسؤول: (بالرغم من إعلاننا عن جملة من الإجراءات التي يجب أن تلتزم بها قوى السوق لإحداث تغيير واضح بالأسعار، إلا أنه حتى الآن نجد بعض التجار ما يزالون يتحججون بأن المواد المعروضة حالياً تم شراؤها بسعر دولار مرتفع، وقد يكون في هذا شيء من الصحة من وجهة نظر اقتصادية، إلا أن الإيقاع الذي كان يفرضه هؤلاء على التعاملات في الأسواق المحلية قبل هبوط سعر الدولار، كان يخرج تماماً في أحيان كثيرة عن أي منطق اقتصادي أو تجاري).
ويختم المصدر: (وقد يكون المواطن على حق في استعجاله الواضح لأن يلمس انعكاسات مباشرة على الأسواق وتراجعاً واضحاً في الأسعار، كيف لا وهو الذي اكتوى بلهيب الارتفاعات السابقة للأسعار بمبرر ودون مبرر؟! البعض رأى أنه قد يكون من المبكر فعلاً الحكم على أداء السوق وحركاته ونسبة تأثره بتراجع سعر صرف الدولار أمام الريال، وتذهب آراء البعض إلى ضرورة مراقبة أداء السوق حالياً ريثما تتكشف الصورة النهائية التي سيكون عليها الحال، وأن أي حكم على الأسواق يجب أن يكون مشفوعاً بثبات ولو نسبي لسعر صرف الدولار أمام الريال، كما أنه تم تكليف نائب وزير الصناعة والتجارة، ونائب رئيس الغرفة التجارية الصناعية وممثلي كبار التجار والمستوردين بإعداد قائمة بأسعار مادتي القمح والدقيق وفقاً لسعر الصرف الحالي تكون ملزمة لجميع تجار الجملة والتجزئة ويتم إعلانها عبر وسائل الإعلام الرسمية).
يلاحظ من خلال تصريح المصدر المسؤول بوزارة الصناعة والتجارة أن جميع التحركات تسعى لتثبيت السلع وفق الأسعار السابقة التي كان المواطن البسيط يستطيع دفعها؛ ولكن التجار يتحججون بأنهم اشتروا بضائعهم بسعر دولار مرتفع، وهي حجج يرى المصدر أنها قد تكون صحيحة من وجهة نظر اقتصادية، مضيفاً أن المواطن على حق في استعجاله لأن يلمس انعكاساتٍ مباشرة على الأسواق. لكن المواطن يتساءل أيضاً عن استعجال رفع الأسعار بمجرد ارتفاع سعر الدولار، رغم أنهم اشتروا بضائعهم بسعر دولار منخفض!
وحتى لحظة تحرير هذه المادة تكشّف الواقع عن مبادراتٍ لمؤسسات تجارية معروفة وتثبيتها الأسعار القديمة، حيث أعلنت خفض تسعيرة منتجات الأرز بجميع أنواعها، فيما المواطنون لم يلمسوا أي تخفيض.
وبين تلك المبادراتِ والاجتماعات يبقى تساؤل المواطن البسيط: هل ستعود أسعار السلع كما كانت سابقا؟ أم ستظل كما هي حسب ما يريده التجار، خاصة مع غياب الدور المطلوب من وزارة الصناعة والتجارة في كبح جشع التجار والرقابة على الأسعار التي ألهبت بنيرانها حياة المواطنين البسطاء؟!
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا