ضحاياه حول العالم أكثر من 700 حالة انتحار خلال عامين
(الحوتُ الأزرق الروسي) يفترس المراهقين

بشرى الغيلي/ لا ميديا

(كان هادئاً ومجتهداً في دراسته، قبل أن يتغير سلوكه فجأة، حيث عزل نفسه عن مجتمعه وأسرته وظل طوال المدة الأخيرة يعيش منفرداً مع هاتفه النقال، إلى أن تم العثور عليه جثة هامدة بمسكنه العائلي)... ذلك تصريح أحد الآباء الجزائريين لوسائل الإعلام بعد أن وجد طفله المراهق جثة هامدة في غرفته، بإحدى المدن الجزائرية. الخبر الذي نشرته صحيفة (الخبر) الجزائرية، ومثلها حوادث مماثلة حدثت في مصر، وتونس، وحالة وحيدة حدثت مؤخرا بالعاصمة صنعاء. والسبب لعبة تسمى (الحوت الأزرق) انتشرت عبر الشبكة العنكبوتية وتستهدف المراهقين بالدرجةِ الأولى. بداياتها، مخاطرها، أصول اللعبة التي يتم إلزام المراهق بها، وردود الفعل حولها، والكثير من التفاصيل تستعرضها (لا) في هذه السطور، مستشهدة بآراء مختصين في الجانب النفسي، والدرامي، والاجتماعي..

كيف بدأت اللعبة؟!
تجتاح معظم مدن العالم موجة ذعر حقيقية من لعبة (الحوت الأزرق) الخبيثة الموجهة للأطفال والمراهقين، والتي تدفعهم للانتحار وفق عبث نفسي خبيث جدًا. وترتفع الأصوات مطالبة الجهات المعنية باتخاذ إجراءات حاسمة بهذا الشأن. ولعبة (الحوت الأزرق) Blue Whale أو (تحدي الحوت الأزرق) هي لعبة على شبكة الإنترنت، وللأسف فهي متاحة في معظم البلدان، وتتكون اللعبة من 50 تحدياً لمدة 50 يوما، وفي التحدي النهائي يطلب من اللاعب الانتحار. ومصطلح (الحوت الأزرق) يأتي من ظاهرة حيتان الشاطئ، والتي ترتبط بفكرة الانتحار، ويشتبه في كونها أصل عدد من حوادث الانتحار ولا سيما في صفوف المراهقين.. وعرفت لعبة (الحوت الأزرق) في روسيا عام 2016 استخدامًا أوسع بين المراهقين بعد أن جلبت الصحافة الانتباه إليها من خلال مقالة ربطت العديد من ضحايا الانتحار بلعبة (الحوت الأزرق)، وخلق ذلك موجة من الذعر الأخلاقي في روسيا، وفي وقت لاحق أُلقي القبض على بوديكين وأدين بتهمة التحريض ودفع ما لا يقل عن 16 فتاة مراهقة للانتحار، مما أدى إلى التشريع الروسي للوقاية من الانتحار وتجدد القلق العالمي بشأن ظاهرة (الحوت الأزرق). 
بدأت لعبة (الحوت الأزرق) في روسيا عام 2013 مع F57 بصفتها واحدة من أسماء ما يسمى (مجموعة الموت) من داخل الشبكة الاجتماعية (فكونتاكتي)، ويُزعم أنها تسببت في أول انتحار في عام 2015.
وأعلن مبتكر اللعبة فيليب بوديكين -طالب علم النفس الذي طرد من جامعته- أن هدفه هو (تنظيف المجتمع من خلال دفع الناس إلى الانتحار الذي اعتبر أنه ليس له قيمة).

مبدأ اللعبة
أخذت لعبة (الحوت الأزرق) اسمها من الملاحظات الكثيرة لارتماء الحيتان على الشواطئ، ويقول البعض إن هذه الحيتان تقوم بالانتحار طوعا؛ غير أن أصل هذه الظاهرة لا يزال محط جدل. 
وتتكون لعبة (الحوت الأزرق) من سلسلة من 50 تحديا يُقدَّم للاعب من قبل (الجارديان) وتعني (الوصي أو الولي)، وهي تحتاج للاتصال عبر الإنترنت. وينبغي على اللاعب إرسال صورة أو فيديو يدل على إتمام المهمة لكي يتابع إلى التحدي التالي. ورغم عدم ظهور بعض التحديات على أنها مؤذية كرسم الحوت على ورقة أو الاستماع إلى موسيقى حزينة في الليل، فإن بعضها الآخر تثير الكثير من القلق وهي غير حميدة إذ تدعو إلى الضرب والخدش، والأسوأ من هذا كله هو التحدي الأخير الذي يدعو إلى الانتحار.
وتستند اللعبة على العلاقة بين المنافسين (كما يطلق عليهم أيضا اللاعبين أو المشاركين أو الإداريين)، حيث تنطوي على سلسلة من الواجبات التي تُعطى من قبل المشرفين مع حث اللاعبين على إكمالها، خاصة وأن هناك مهمة واحدة فقط في اليوم الواحد، إلا أن بعض هذه المهام ينطوي على تشويه الذات وإيذائها. والملاحظ أن بعض المهام التي تُعطى يومياً لفئة من المستخدمين لا تُعطى للبعض الآخر إلا بعد يومين أو ثلاثة أيام، وفي الختام تعطى المهمة الأخيرة ويطلب من المتحدي الانتحار، وتتنوع المهام المعطاة بين الجيد والسيئ والمباح والخطر وغير ذلك من التعليمات التي تتنوع لتنتهي بطلب الانتحار.

قائمة مهام للمنتحر
لم يدرك المراهق وقوعه في فخٍ كبير، حيث يبدأ واضعو اللعبة بتحديد مهام على من يبدأ في التعاطي معها وهي 50 نقطة لمدة 50 يوما، كنحت عبارة F57 أو رسم حوت أزرق على يد الشخص أو ذراعه باستخدام أداة حادة ثم إرسال صورة للمسؤول للتأكد أن الشخص قد دخل في اللعبة، كذلك الاستيقاظ عند الساعة 4:20 صباحاً ومشاهدة مقطع فيديو به موسيقى غريبة تترك اللاعب في حالة كئيبة، إحداث جروح طولية على ذراع المتحدي، رسم حوت على قطعة من الورق، كتابة (نعم) على ساق الشخص نفسه إذا كان مستعداً ليكون حوتاً، وإلا ينبغي أن يقطع الشخص نفسه عدة قطع... مهمة سرية (مكتوبة في التعليمات البرمجية) خدش (رسالة) على ذراع الشخص، كتابة حالة على الإنترنت عن كونه حوتا، التغلب على الخوف، الاستيقاظ عند الساعة 4:20 فجراً والوقوف على السطح، نحت حوت على يد شخص خاص، مشاهدة أشرطة فيديو مخيفة كل يوم، استماع إلى موسيقى يُرسلها المسؤول، قطع الشفاه، وخز ذراع الشخص بواسطة إبرة خاصة، إيذاء النفس أو محاولة جعلها تمرض، الذهاب إلى السقف والوقوف على الحافة، الوقوف على جسر، تسلق رافعة (في هذه الخطوة يتحقق شخص مؤمن بطريقة أو بأخرى لمعرفة ما إذا كان المشارك جديراً بالثقة)، التحدث مع (الحوت) على سكايب، الجلوس على السطح مع ضرورة ترك الساقين مدلاتين من على الحافة، وظيفة مشفرة أخرى، الاجتماع مع (الحوت(، تعيين اللاعب مسؤولًا يوم وفاة الشخص، زيارة السكك الحديدية، عدم التحدث مع أي شخص طوال اليوم، حلف يمين حول كونه حوتا... بعد هذه الخطوات تأتي الخطوات 30-49 والتي تنطوي على مشاهدة أفلام الرعب والاستماع إلى الموسيقى التي يختارها المسؤول، والتحدث إلى الحوت. المهمة الأخيرة وهي الانتحار بالقفز من مبنى أو بالطعن بسكين.

الحالات المبلغ عنها عربياً ودولياً
في تونس 12 آذار/ مارس 2018، انتحر 7 أطفال جراء اللعبة، وأصدرت المحكمة الابتدائية بسوسة حكما يقضي بحجب لعبة (الحوت الأزرق) و(لعبة مريم)، وتم تكليف الوكالة التونسية للإنترنت باتخاذ الإجراءات اللازمة. وفي بنغلادش تناقلت العديد من التقارير الإخبارية ووسائل الإعلام أخبار محاولات انتحار على صلة باللعبة. وكانت فتاة (في سن المراهقة) قد انتحرت، وزُعم أنها قامت بذلك بسبب إدمانها على لعبة (الحوت الأزرق) في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017. لكن ما زاد من شهرة اللعبة في بنغلادش هو قيام الشرطة باعتقال طالب جامعي بسبب الاشتباه في الاشتراك في اللعب. أما في الجزائر 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، فقد انتحر طفل يبلغ من العمر 11 سنة بولاية سطيف شرق الجزائر، وأكدت نتائج التحقيق أن سبب الانتحار كان بسبب لعبة الحوت الأزرق، حيث كان يقضي معظم وقته فيها لمدة شهر. وفي 8 ديسمبر، أقدم طالبان على الانتحار في ثانوية بولاية بجاية، وذلك بعد ممارسة لعبة الحوت الأزرق. وهذه اللعبة أيضاً سبب وفاة 7 شبان جزائريين سنة 2017.
وفي مصر أثار انتحار نجل البرلماني المصري حمدي الفخراني بسبب لعبة (الحوت الأزرق) انتباه وسائل الإعلام، وحين ظهرت بعض الحالات الأخرى بدأ البرلمان المصري في مناقشة سن تشريعات لمعاقبة المتورطين في هذه النوعية من الجرائم الإلكترونية.
وفي اليمن حدثت حالة واحدة في العاصمةِ صنعاء، لم يتم تأكيدها رسميا.
في روسيا آذار/ مارس عام 2017، كانت السلطات تُحقق فيما يقرب من 130 قضية منفصلة تتعلق بحالات مشكوك في صلتها باللعبة. وفي شهر فبراير قام طفل يبلغ من العمر 15 عاما بإلقاء نفسه من عمارة بعلو 14 طابقا في مبنى في إيركوتسك في سيبيريا، وذلك بعد الانتهاء من المهام الخمسين المرسلة إليه، كما قام زميله (يبلغ من العمر 16 سنة) بالعملية نفسها، وقد تركا رسائل على صفحتيهما على مواقع التواصل الاجتماعي تُفيد بأن للانتحار علاقة باللعبة. وفي الشهر نفسه قام شاب آخر يبلغ من العمر 15 عاما أيضا برمي نفسه من شقة عالية في مدينة كراسنويارسك، لكن هذه المرة لم يُفارق الحياة بل تعرض لجروح وإصابات حرجة أدخلته المستشفى.
وفي فرنسا تم الإبلاغ عن بعض الحالات التي يمكن أن تكون متصلة بلعبة (الحوت الأزرق). وذكرت كذلك قناة (LCI) على موقعها محاولة انتحار أربع فتيات من با-دو-كاليه بسبب اللعبة، ونشرت صحيفة (La Voix du Nord) في وقت سابق خبر انتحار فتاتين شاركتا أيضاً في لعبة (الحوت الأزرق)، بالإضافة إلى 12 طالبا في مدرسة في فنستير.

التأثير النفسي للعبة
صحيفة (لا) طرحت الموضوع على د. عبدالكريم اسماعيل زبيبة، أستاذ العلاج النفسي بجامعةِ ذمار، عميد مركز الإرشاد والرعاية النفسية بالجامعة، فقال: لعبة الحوت الأزرق أو (The Blue Whale Challenge) هي أحدث الألعاب الانتحارية والتي يتم لعبها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتستمر اللعبة 50 يوما من خلال تكليف اللاعب بالقيام بمهام يومية معينة. واللعبة عبارة عن تحدٍّ لـــ50 يوماً ينتهي بالانتحار أو طلب قتل آخرين أو إحراق منازلهم. لعبة الحوت الأزرق تستخدم المعلومات الموجودة على بروفايل الشخص لاستخدامها في تهديد الأشخاص والتأثير عليهم. واللعبة مصممة ومعدة على أساس علم النفس والتأثير النفسي وتطلب من الشخص (المراهق) البدء بإيذاء نفسه والتأثير على عقله بحيث يفقد السيطرة على تصرفاته الشخصية. ولعبة الحوت الأزرق تستهدف المراهقين الذين لديهم اندفاعية عالية وقابلية للتحدي والإيحاء المضطرب. وهناك نوعان من الشخصيات يكون لديهما استعداد للمشاركة في اللعبة، شخصية تعاني من الاكتئاب والشعور بالوحدة وعدم الثقة بالنفس، والخوف الدائم، وقابليتها للإيحاء، وترتبط بعلاقة أسرية سيئة مع الوالدين وبقية أفراد الأسرة. وهي العوامل المهيئة للوصول لمرحلة الانتحار. أو شخصية أخرى من أهم خصائصها أنها تحب المغامرة وتجريب كل جديد، وغالبا لا يصل هؤلاء إلى مرحلة الانتحار).
يختم د. زبيبة محذراً من المخاطر وعواقب اللعبة، داعيا أولياء الأمور إلى مراقبةِ أبنائهم: (ومن المعلوم أن مرحلة المراهقة تمتد من عمر 12 سنة وحتى 21 سنة، وعند البعض حتى 25 سنة، ومن خصائص هذه المرحلة أنها تتميز بالنمو الجسمي والفيزسيولوجي المتسارع فيكون المراهق مكتمل النمو الجسدي ولكن ينقصه النضج العقلي والخبرات الحياتية، ويكون كذلك مندفعاً في أغلب تصرفاته ويميل للمغامرة والتحدي. وتحتاج هذه المرحلة العمرية للتعامل معها بكثير من المعرفة والخصوصية والاهتمام، وبحيث يكسب المراهق الثقة بالنفس والقيم الدينية والأخلاقية، والضمير وتشكل الهوية، وأيضا تكوين علاقة سوية بين الأبوين والمراهق تقوم على الثقة مع المتابعة ومراقبة الأهل استخدام الأبناء للإنترنت والتي لا تفقد المراهق الحرية والشعور بتحمل المسؤولية بحيث يكون شخصاً واثقاً بنفسه، وإقناعه بعدم الإفراط في استخدام الانترنت خوفاً من أن يصل لمرحلة الإدمان، وتشجيع المراهق على شغل أوقات الفراغ وخاصة في العطل الصيفية).
 
استدراج الشباب بطريقة درامية
كما التقت صحيفة (لا) المخرج عبدالله إبراهيم الذي تحدث عن مخاطر اللعبة من جانب درامي مترابط، يقول: (بداية أنا مصدوم بعد اطلاعي على هذه اللعبة وتفاجأت بكيفية استدراج الشباب والفئة الضعيفة والمراهقين والزج بهم في الهاوية. هذه اللعبة تستغل عاطفة أولئك الذين لديهم مشاكل أسرية، أو ضغوط نفسية، ولكن باعتقادي الشخصي أنها تعتمد بشكل أكبر على الحالة النفسية واستدراج الشباب إلى الاستمتاع بتلقي الأوامر من هذه اللعبة وتنفيذها تحت مسمى التحدي، أو أن الشخص يتحدى نفسه). يضيف إبراهيم: (في الأعمال الفنية يبدأ الكاتب غالباً بتمهيد، ووسيلة لجذب وتشويق المشاهد ومن بعدها الصراع، وفي هذه اللعبة يتم البدء بشيء بسيط لتسهل للشاب تنفيذ هذه الأوامر والتي يحس الشاب أو المراهق باستمتاعه معها لسهولة تنفيذ التحدي، وأيضا مع انتظاره لما سيأتي فيما بعد من تحديات، وهنا يأتي دور التشويق. ومع تكرار المراهق تنفيذ كل يوم تحدياً يصبح الشاب تحت سيطرة هذه اللعبة، فهي تعمل على التهيئة النفسية والعقلية لتنفيذ الأوامر. ومما علمت أنه بعد مرحلة كبيرة يواجه الشاب بعض التهديدات وهذا ما يجعله في صراع نفسي وخارجي بنفس الطريقة الدرامية لتتصاعد الأحداث حتى تصل في نهايتها إلى المأساة، الانتحار، وبما يسمى في الدراما بذروة العمل، ولكن الدراما تظل دراما وتقدم رسائل للمجتمع تخدمه وتبنيه ولا تهدمه، لهذا أنا أحذر كل الشباب منها لخطورتها ويجب الاهتمام بكل ما هو مفيد، ودفعك لخدمة نفسك ودينك ووطنك، فليس غريباً على الغرب صنع مثل هذه الألعاب لتدمير الشباب القادرين على بناء وطنهم. ونصيحتي لكل من يعاني من ضغوط نفسية أو أسرية عليه بالقرآن وبكلام الله: (إن مع العسر يسرا).

ردود الأفعال على شبكاتِ التواصل الاجتماعي
الشبكات الاجتماعية هي المنصة الرئيسية التي تجري فيها لعبة (الحوت الأزرق)، ولذلك فقد اتخذت بعض هذه الشبكات إجراءات للحد من انتشار هذه اللعبة ولتوعية المراهقين خصوصاً، من أجل تفادي الوقوع في فخ الانتحار، وقررت الشبكة الاجتماعية الروسية (فكونتاكتي) منع اللاعبين المسجلين باللعبة، وهي ملتزمة بحظر وحذف الحسابات التي تروج للعبة. ومن ناحيتها قامت (انستغرام) ببرمجة رسالة أوتوماتيكية تظهر عندما يتم البحث عن بعض الكلمات المفتاحية ذات الصلة باللعبة في شريط البحث. ولمواجهة التهديد الذي تشكله لعبة (الحوت الأزرق) نشرت الشرطة الفرنسية في 6 آذار/ مارس 2017 رسالة على حسابها في (تويتر( لتنبيه المراهقين وأولياء أمورهم وذكّرت بأن التحريض على الانتحار يعاقب عليه من قبل القانون الفرنسي بـ5 سنوات في السجن وغرامة 75 ألف يورو.