إذن أصبح أمراً واقعاً أنَ جمهورية مصر العربية لم تعد المالك الرسمي لاثنتين من جزر البحر الأحمر التابعة لها، والمعروفتين بتيران وصنافير، على إثر اتفاقية التنازل التي قامت بالتوقيع عليها مع المملكة الوهابية (المملكة العربية السعودية).
صحيفة “لكسبريسيون” الفرنسية:

تلك الصفقة ليست بالخطوة التي يمكن وصفها بـ”البريئة”؛ إذ أنّ هاتين الجزيرتين ليستا مجرد مجموعة من الحجارة المتراكمة في عرض البحر الأحمر؛ فضلاً عن أنّ أعادت تعيين ملكيتهما لصالح السعودية كانت بمثابة إجراء غير متوقع من جانب الحكومة المصرية بل ومفاجأة صادمة أثارت بامتياز حفيظة الرأي العام في كافة الأوساط العربية في ظل هذه الفترة الحاسمة من التوترات والحروب التي يشهدها العالم العربي.

لماذا الآن…؟ تساؤل لا مناص من الخوض في غماره حين نجد المملكة العربية السعودية قد اندفعت وبقوة إلى مقدمة العديد من الجبهات، بما في ذلك توليها لزمام القيادة في قوات التحالف العربي في إطار حرب جائرة جلبت الموت والدمار لواحدة من أفقر البلدان في الوطن العربي، ألا وهي الجمهورية اليمنية. من زاوية أخرى، ليست هنالك أيّة منطقية يمكن أن تبرر فكرة الإقدام على التنازل عن جزيرتين بمستوى تيران وصنافير، إذ أنَ كلاً منهما تحظى بموقع استراتيجي لا نظير له عند مدخل خليج العقبة وعلى طول مضيق تيران؛ وفضلاً عن ذلك، تعد الجزيرتان في حقيقة الأمر بمثابة البوابة للبحر الأحمر والمنفذ للمحيط الهندي؛ ومن يحظى بالسيادة على هاتين الجزيرتين يحظى بالصلاحيات اللازمة لسن الضوابط والقوانين التي تسمح بالولوج إلى البحر الأحمر.


مما لا شك فيه أنه ليس بالأمر الطبيعي أن تعمد القاهرة إلى التخلي عن وسيلة الضغط المثالية لديها بمثل تلك السهولة المفرطة؛ والقصد بذلك أهميتهما الاستراتيجية العالية بالنسبة للعديد من الدول وفي مقدمتها إسرائيل. ومن المعلوم للجميع أنَّ تلك الجزيرتين هما العامل الرئيس في اندلاع حرب الأيام الستة في يونيو 1967: حيث كانت القوات الإسرائيلية شنت هجوماً مباغتاً على الأراضي المصرية في 6 يونيو 1967 رداً على الحصار الذي فرض آنذاك على ميناء ايلات الاسرائيلي (المطل على خليج العقبة) من قبل الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر؛ وفي ذلك الوقت كان لتلك الجزيرتين دوراً رئيساً في إنجاح ذلك الحصار. إلا أنَّ مصر خسرت إبان تلك الحرب، إلى جانب هاتين الجزيرتين، شبه جزيرة سيناء التي تمكنت القوات الإسرائيلية من احتلالها آنذاك على غرار صنيعها مع هضبة الجولان السوري. وفي أكتوبر 1973، قامت حرب أخرى أدارت رحى المواجهة بين عدد من الدول العربية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وعرفت بـ”حرب رمضان” (عرفت أيضاً بحرب العاشر من رمضان وحرب أكتوبر المجيدة وحرب تشرين وحرب يوم الغفران وحرب يوم كيپور لدى اليهود)؛ وعلى إثر هذه الحرب، التي جسدت الفوز والخسارة بالنسبة للعرب، ظهر معطى جديد: ففي حين كان العرب بصدد إلحاق أول هزيمة عسكرية بإسرائيل، قاموا بشكل مفاجئ ولسبب غير مفهوم بإعلان استسلامهم وانسحابهم من ساحة المعركة؛ وفي وقت لاحق برر الرئيس المصري الراحل، محمد أنور السادات، تلك الهزيمة بأنَّ مصر لم تكن على قدرٍ كافٍ من الجاهزية للدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية وفقاً للتهديدات التي كان أطلقها الرئيس الأميركي آنذاك، ريتشارد نيكسون. وكان هذا المنطلق الذي أفضى إلى التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد في العام 1979 في ولاية ميريلاند الأميركية (بين الرئيس المصري أنور السادات والرئيس الإسرائيلي مناحيم بيجن وتحت إشراف الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر)، الأمر الذي مكن مصر من استعادة كلاً من شبة جزيرة سيناء وجزيرتي تيران وصنافير، فضلاً عن إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع الجانب الإسرائيلي. وفي السياق ذاته، اشتملت تلك الاتفاقية على العديد من البنود التي تصب في مصلحة الجانب الإسرائيلي، وتمثلت إحداها في ضرورة الالتزام بعدم استخدام جزيرتي تيران وصنافير في الأغراض الحربية أو الأنشطة العسكرية كإنشاء قواعد عسكرية عليها.


انطلاقاً من تلك الحقائق المثبتة تاريخياً تأتي أهمية البحث عن أيَّة معطيات تجلي خفايا ومدلولات اتفاقية اعادت تعيين ملكية جزيرتي تيران وصنافير لصالح الرياض. ومن ذلك يمكننا أن نستشف في حقيقة الأمر أنَّ تلك الاتفاقية تحمل في طياتها إشارة على أنَّ المملكة العربية السعودية قد وافقت ضمنياً على البنود التي نصت عليها اتفاقيات كامب ديفيد، الأمر الذي يقودنا بطبيعة الحال إلى الاعتقاد بوجود صيغة تحالف أو تواطؤ بين الجانبين السعودي والإسرائيلي. وبعبارة أخرى، يمكننا القول بحكم الأمر الواقع أنَّ الرياض باتت تعترف بالوجود الإسرائيلي. وإذا ما سلمنا بذلك كحقيقة مؤكدة فإنه لن يتبقى على المملكة العربية السعودية إلى أنَّ تضفي الطابع الرسمي على ذلك المعطى الجديد من خلال المساهمة في صناعة الانعكاسات السلبية التي حتماً لن تخلو منها القضية الفلسطينية. وفي الواقع، هنالك العديد من اللقاءات التي جرت منذ العام 2014 بين مسؤولين سعوديين وقادة إسرائيليين في إطار من اللاشفافية، فضلاً عن أنَّ اتفاقاً سرياً قد أبرم بينهما. ومن المعلوم للجميع أنَّ كلا الجانبين يتشاطران العداء ذاته الذي يستثمرانه تجاه إيران والتهديد النووي الإيراني المزعوم. من زاوية أخرى، ينبغي علينا هنا ألا نغفل حقيقة أنَّ كلاهما يتبنيان العديد من المواقف المتشابهة إلى حدٍ كبير تجاه مختلف القضايا المتعلقة بدولتي إيران وسوريا: فقد كان لكلٍ منهما تصريحات شديدة اللهجة إزاء الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في العام 2015 بين إيران والدول الست الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية (خلال فترة حكم الرئيس السابق، باراك أوباما) التي يرى الطرفان – السعودي والإسرائيلي – أنها قد تنصلت من مهامها ومسؤولياتها والتزاماتها إزاء اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وأمن البلدين؛ زد على ذلك أنَّ كلاً منهما لم يبدِ موافقته على الموقف الأميركي الرافض للجوء إلى الرد العسكري على السلطات السورية التي كان يشتبه في استخدامها أسلحة كيماوية ضد قوات المعارضة في العام 2013.

 

هنالك العديد من المصادر السياسية والدبلوماسية التي ترجح بأنَّ مثل تلك المواقف تفضي إلى حتمية التجاذب والتلاحم في العلاقات بين الرياض وتل أبيب، على غرار المثل القائل “عدو عدوي صديقي”. ومن الوارد بقوة أن تكون القيادة الإسرائيلية هي من يقوم بدور “المشرف” أو “المرشد السامي” – على غرار “صومال لاند” أو ما يُعرف بـ”جمهورية أرض الصومال” الغير معترف بها من قبل المجتمع الدولي – في إطار “التحالف العربي” – بقيادة المملكة العربية السعودية – المنهمك في حربه على اليمن منذ مارس 2015. ومن المحتمل أن تكون تلك المقاربة الغريبة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل هي التي مكنت الرياض من إعادة بسط سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير، مقابل الاعتراف بالكيان الصهيوني كأمر واقع. وتذهب مصادر أخرى إلى التمسك باعتقادها أنَّ الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، كان هو من مول العملية العسكرية الاسرائيلي الهمجية التي عرفت بـ”عملية الرصاص المصبوب”، والتي استهدفت قطاع غزة (من ديسمبر 2008 إلى يناير 2009)، ما تسبب في سقوط مئات القتلى من المدنيين الفلسطينيين، فضلاً عن الخراب والتدمير الجزئي الذي لحق بالقطاع على إثر ذلك. في الختام لم يبق لنا إلا أن نتساءل: هل من الوارد أنَّ اتفاقية تيران وصنافير لا تزال تخفي في طياتها المزيد من التواطؤ؟ وهل من الممكن بشيء من البحث والتدقيق أن تتكشف لنا حلقات جديدة من سلسلة الخيانات العربية التي تهدف إلى إحلال “السلام الصهيوني” ولو على أطلال الأراضي الفلسطينية؟

ترجمة: محمد السياري| المراسل نت