الحلقة الأولى

هذه وثيقة تعبر عن تيار الاشتراكية الثورية الوطنية، إلى الاجتماع العام الموسع لحزبنا، المكرس لمناهضة العدوان والنضال ضد الموقف الانتهازي الموالي للعدوان لدى القيادة البيروقراطية للحزب، للمناقشة والتطوير. إلى جميع رفاقنا الاشتراكيين ضد العدوان وضد الانتهازية والبيروقراطية والفساد والاستبداد والانحراف الحزبي الداخلي، وإلى أنصارنا وأصدقائنا وجماهيرنا الشعبية الكادحة التي تمثل الاشتراكية آلامها وأحلامها وأهدافها في الحرية والكرامة والسيادة والعدالة الاجتماعية والاستقلال.. إليها نبعث نداءنا وأفكارنا التي هي نتاج معاناتنا الجمعية المشتركة.
إن خلفية الصراع السياسي والفكري داخل الحزب الاشتراكي اليمني خلال العقدين الأخيرين، هي قضايا الصراع الاجتماعية الوطنية، وأخيراً تجسدت في الموقف من العدوان والاحتلال والهوية الوطنية والوحدة. والموقف المطلوب على أساس التحليل العلمي الموضوعي الوطني الوحدوي التقدمي المتجاوز للتباينات الثانوية المناطقية والمذهبية التي تحاول الشلة البيروقراطية أن تجعلها منطلقاتها الفكرية البديلة، وتملي على الحزب الوطني المفاهيم الإثنية والكولونيالية والوهابية.
إن البيانات الأخيرة التي أُعلنت باسم الاشتراكيين الثوريين الوطنيين، جاءت كرد فعل مباشر على موقف القيادة البيروقراطية في الارتماء بأحضان العدوان والاحتلال، وانتقالها إلى الجبهة العدوانية التي ثار عليها شعبنا ولفظها خارج التاريخ، في سبتمبر 2014م.
لم يكن ذلك مفاجأة، بل هو امتداد لصراع طويل بين التيارين المتصادمين داخل الاشتراكي طوال عقود ثلاثة، شمل التصادم على كافة الجبهات الفكرية والسياسية والتنظيمية والوطنية.

شكل الصراع السياسي والفكري
أخذ الصراع شكل الجدل الفكري والسياسي داخل الأطر التنظيمية المسيطر عليها من اليمين البيروقراطي المدعوم خليجياً وأمريكياً وسلطوياً، ضد محاولات اليسار الوطني إحداث أي انتقالات نوعية وتراكمية للأمام جرى خلالها إبعاد آلاف الكوادر الاشتراكية المناضلة تحت ذرائع وهمية.
لم يكن اليسار حالة جديدة، وإنما الدفاع عنه وعن حقه في الوجود كان الجديد، كان ذلك امتداداً للقضايا الأساسية القديمة من صراع السنوات الأخيرة، ومنذ ثورة الشباب الشعبية في 2011م، والنتائج التي سعى اليمين للوصول إليها مع الرجعية المحلية الإقليمية الدولية، وتكشفت المؤامرة الكبيرة التي تعرضت لها الثورة اليمنية، بكل امتداداتها وأبعادها ومراحلها، وبالعودة النقدية لقراءة المسارات التاريخية التي لم تدرك بوضوح دور العامل الاختراقي الداخلي وحجمه ورموزه.
كان الانقلاب الذي حدث عام 80م على المؤسس فتاح، كشف عن وجود التيار اليميني البيروقراطي العسكري، المسيطر على قيادة البلاد والتنظيم، وتم ترحيل فتاح وتشريد آخرين.
في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة بادر الشهيد فتاح إلى إعادة تنظيم التيار اليساري الذي يتزعمه كقوة معارضة داخلية وسرية، في السنوات التي سبقت عودته إلى قيادة الحزب منتصف الثمانينيات، وواصل كفاحه داخل المؤسسات والبلاد جنوباً وشمالاً، وأقدم اليمين على مذبحة يناير، ليشمل الاعتداء آلاف الكوادر اليسارية الثورية التي كان الحزب بناها خلال عقدين من الزمن، كانت الجريمة الانقلابية الأبشع، وهدفها تدمير الحزب كله بعد أن وعى المؤامرة التي يديرها اليمين بتحريض وتمويل سعودي أمريكي بريطاني مشترك.
أصيب الحزب الاشتراكي بفقدان قادته ومؤسسيه، ووقوع السلطة بأيدي تيار البيروقراطية العسكرية الأمنية الجديدة التي كانت خليطاً من عدة تيارات، تجمعها الرغبة في السلطة. وواصل اليسار الكفاح في ظروف صعبة جداً بعد يناير 1986م، والعالم كله يتكالب عليه عقب انهيارات جورباتشوف، واضطر سياسياً للدخول في تحالفات مع الوسط، واتباع سياسة أكثر مرونة، حفاظاً على اليسار الباقي من التصفيات الإجرامية، لكنه واصل التمسك بالثوابت اليسارية الأساسية مع تغيير التكتيكات والخطابات حسب الظروف التاريخية المجتمعية الملموسة، وبعد أن كان يصارع حول السلطة، صار اهتمامه منصباً على التأمل والتفكير، واستيعاب ما جرى ويجري في العالم، لمعرفة إلى أين سيقود تطور الأحداث، وموقع بلادنا منها، ودور اليسار الدولي سلباً وإيجاباً.
كانت مرحلة لمراجعة نقدية لكل المسارات السابقة، وإعادة التعلم منها مجدداً، واستيعاب التاريخ الوطني اليمني الحديث والمعاصر، والتعلم منه حقائق تطور الوطن، وإعادة النظر النقدي في الأفكار والنظريات ومدى ملاءمتها للواقع اليمني، وإعادة صياغة أفكاره الاجتماعية من زاوية موضوعية وتاريخية، والتخلي عن كثير من الصيغ القديمة التي شاخت ولم يعد لها موضوع ومعانٍ، واستبدالها بصيغ جديدة تحاكي الواقع العالمي واتجاهاته الواقعية والوطنية، وتوسيع مفهوم اليسار، ليشمل قضايا وفئات جديدة واسعة شعبية، وإعادة رسم الأولويات حسب الاحتياجات التاريخية الوطنية القومية الشعبية الاجتماعية الواسعة، وبما يتناسب مع ظروف ومطالب الصراع الرئيسي الراهن الذي يتجسد بالصراع الوطني ضد الأجنبي المهيمن وكولونياليته المحلية الأولجارشية الأرستقراطية التابعة وأدواتها البيروقراطية الإقطاعية المالية الطفيلية.
ودمج مفهوم الثورة الاجتماعية الاشتراكية الوطنية بمفهوم الثورة الوطنية القومية التحررية الشعبية العامة، التي تعادل بروليتارية القرن الماضي في المعاناة، وتفوقها قهراً، وتتجه إليها تطوراً وتغيراً ومعاشاً، وأسوأ منها أيضاً لأنها محرومة من العمل بالمرة، ولا تجد إلا الإفقار الشامل بفعل سياسات الامبريالية والتبعية والاستغلال الجديد.
وظهور ظروف نوعية مختلفة عما كان الوضع في القرن السابق وثوراته العمالية الصناعية، حيث كان المنتجون هم القوة الرئيسية فيها، أما هنا في بلادنا المستعمرة فالقوة الرئيسية للشعب هي ملايين العاطلين والمحرومين والمستضعفين والمقهورين والمهجرين وصغار المنتجين الحرفيين والمزارعين والقرويين والمثقفين الوطنيين والقبائل الوطنية المحتلة أراضيها من المستعمر الجديد والقديم.
متغيرات كثيرة أجبرت اليسار على إعادة النظر في كل المنطلقات القديمة، وإعادة الاعتبار للمبادئ الوطنية الثورية والعقيدية والدينية الثورية التي تملأ صفحات تاريخنا، والغوص في صفحات الثورة الوطنية التحررية اليمنية التي مازالت متواصلة لم تكتمل بعد إلى الآن منذ القرنين الأخيرين.
وجاء العقد الأخير الذي تواصلت فيه انتصارات جزئية للحركة التحررية، وانكسار الهجمة الاستعمارية على المنطقة العربية، ونهوض الشعب العربي في أكثر من إقليم بعد مرحلة تشوش وارتباك سرعان ما تبددت بصمود شعوبنا العربية والإسلامية في مواجهة المشروع الامبريالي الجديد، إلى إفساح المجال لليسار الثوري الوطني التحرري للعودة إلى الساحة الكفاحية من جديد، بعد انكسار موازين القوى القديمة لصالح اليسار، برغم ما تعرض له من خسائر بشرية ونوعية، لاسيما بعد 2011م.

الصراع ينتقل الى مستوى أعلى
 اليسار الثوري من الساحات الى المقرات الحزبية في العام 2012م 
كان ذلك حملة كي للوعي مدفوعة الثمن سلفاً، وبدراسة الوقائع التي تصاحب التحركات أكدت أن الأمر مؤامرة تتقدمها البيروقراطية المحسوبة على اليسار. كان العدو الحقيقي قد سكن واستوطن في داخلنا باسمنا وبشعاراتنا. ومن هنا انقض على 2011م تحت أسماء وأوهام عدة.
إن تركيز اليسار المطالبة بالديمقراطية الداخلية والمؤتمرات العامة للاحتكام إليها حول النزاع السياسي، خاصة المبادرة السعودية الأمريكية، قد نقل الصراع إلى مستوى جديد أعلى مما كان سابقاً، وأدى الى استقطاب جديد أكثر وضوحاً مما كان عليه.. لذا عارضت البيروقراطية فكرة عقد المؤتمر العام السادس بكل وسيلة، بما فيها التضليل والتزوير والمناورات والتلاعب بالوعي واستخدام المال العام وتحشيد دعم الدول الأجنبية واستدعاء تدخلات السفارات الغربية، وكان الهدف هو المحافظة على استمرار المسار التخريبي للثورة، ومنع تغير خطى السياسة الجارية، لذلك رفضت عقد المؤتمرات العامة، ولكي يخدعوا الناس البسطاء عن السياسة البيروقراطية الحقيقية، راحوا بعد أن دفع هادي مبلغ 150 مليون ريال مصروفات لإعداد فعالية صورية كبيرة تأتي فيها الجموع لتصفق وترفع الأيدي بالموافقة على كل ما تريده البيروقراطية المسيطرة، كما تفعل البيروقراطية الحاكمة. إنه شراء الأصوات والمواقف في مواجهة اليسار الوطني الثوري.
وهكذا تمكنوا من تمييع المطالب مؤقتاً بما عرف بـ(المجلس الوطني)، وتعيين نصف أعضاء اللجنة المركزية، من أناس لا علاقة لهم بالحزب أصلاً، ومن أناس لم يعرفوا أية تجربة تنظيمية سابقة، ومن عناصر لا تصلح كأعضاء أصلاً، ومن عناصر معروفة بفسادها وإفسادها، ومحل شكوى.
وحين جاءت الثورة الشعبية في سبتمبر، ونجاحها بعد أزمة سلطة طويلة، تغيرت التوازنات، إلا أن البيروقراطية استمرت تخدع الثورة وتقيم علاقات ملتبسة مع كل الأطراف، وتعمل مع هادي والخارج العدواني من خلف الستار.

التاريخ لا ينتظر المتخلفين - التغيير الجذري الثوري يجب أن يبدأ الآن
لقد تعثرت الدعوات والمحاولات السابقة للتغيير، لأنها وقيادتها كانت لاتزال تصدق الأسطورة حول إمكانية الديمقراطية الحزبية القيادية الداخلية، وأن الانتخابات يمكن أن تحدث تغيراً وتطويراً قبل أن يكتشف أن البيروقراطية قد هيمنت وتحالفت مع العدو للبقاء رغم إرادتنا، وبأموال السلطة نفسها التي نناضل نحن ضدها، وكانت الأسطورة الأخرى حول ضرورة الحفاظ على الوحدة مع الفاسدين، وإبقائهم وعدم إبعادهم وإقصائهم، وكان معنى ذلك القبول بسيطرة الفساد لا غير.
ثم نبتت أساطير جديدة، جعلتنا نتردد كثيراً عن الصراع الحاسم مع البيروقراطية، حتى ونحن نراها عياناً تزور الانتخابات والمؤتمرات العامة، وتشطب من تشاء، وتصعد من تشاء، لعل هناك حكمة لا نراها نحن، هكذا كنا نفكر بحسن نية، بينما حسن النية والسذاجة وطيبة افتراضاتنا هي العدو الأقرب إلينا. وبعد ما حدث من مؤامرات وانقلابات أدركنا متأخرين أننا كنا ضحية سذاجتنا وتصديقنا وأساطيرنا العاطفية.
باتخاذها الموقف الموالي للعدوان المعادي للشعب اليمني وللوطن وللحزب، تكون البيروقراطية القيادية حسمت موقفها إلى الأبد، وخلعت نفسها عن الأمانة التي حملتها من قبل وخانتها اليوم، وانتهكت القيم والمبادئ والأخلاق والقوانين، ولم تبقِ على صلة لها بالحزب الاشتراكي وتاريخه. 
تياران متعاديان متحاربان، أحدهما في صف العدوان، والآخر في صف الوطن والثورة، وكل طرف يعمل لهدف مضاد للآخر، ويشارك في معركة خاصة به مختلفة عن الآخر. فهل ننتظر إلى أن تنتقل المعركة الى داخل مقرات الحزب ذاته! ها قد وصلنا إليها في مناطق واقعة تحت العدوان والاحتلال في تعز والجنوب ومأرب والجوف، لقد انفصل عملياً كل طرف في موقف خاص.
مثلاً، الاشتراكيون الجنوبيون الحراكيون، شلال والشنفرى وسعيد والخبجي والذرحاني...، قد أصبحوا يواجهون الاشتراكيين اليمنيين المضادين للعدوان، ويرحلون اليمنيين من بلادهم. الاشتراكي البيض والاشتراكي سالم صالح...، كلهم متوافقون الآن على التنكر للهوية اليمنية، وتبني مفهوم انسلاخي إلحاقي للسعودية والخليج والإمارات وبريطانيا والولايات الأمريكية.
أبعد هذا يمكن أن نكون معاً في حزب وطني واحد؟ مستحيل مادامت القيادة قد فعلت هذا بالحزب الموحد من خلف جماهيره وقواعده، فلا يمكن التعايش مع العدوان والنقيض للعدوان.
موقف الحزب الموضوعي.. إما أن يكون وطنياً معادياً للعدوان، فقط، وإما أن يكون مع العدوان ضد الوطن، فقط. لا يمكن أن يكون في الموقفين معاً، إلا إذا أراد هذا التيار المسيطر أن يفجر الحزب من داخله، وشل حركته لهدف عدواني مقصود، وهو ما لا نستبعده.
وعلى هذا لم يعد أمام اليسار الحزبي إلا أن يكون اشتراكياً وطنياً، أو لا يكون؛ لأن بقاء الوضع خليطاً ملغوماً هو تدمير للحزب باسم وحدته الوهمية الزائفة التي يتم المتاجرة بها مع السعودية ودول العدوان.

الرهان البيروقراطي الانسلاخي الانفصالي
لا نكشف سراً إذا قلنا إن أغلبية اللجنة المركزية الراهنة التي تم تركيبها وفقاً لخطة معينة هي مع العدوان، لأن الأغلبية الفاعلة فيها من المناطق الجنوبية الذين لهم موقف من الوحدة اليمنية، وهذه الأغلبية تحلل الصراع انطلاقاً من المفهوم الشطري للنزاع، وليس من الصراع الوطني ضد الأجنبي، ووضعت بيضها في سلة الاحتلال للجنوب، وهي مع هذا المشروع التقسيمي للوطن.
وهنا نركز على حقيقتين هامتين:
هل هي أغلبية منتخبة ديمقراطياً؟ لا.
هل هي تمثل أغلبية الشعب اليمني؟ لا.
ما دامت لا تمثل الأغلبية الحزبية المنتخبة، ولا تمثل الأغلبية الوطنية، فإنها تسير في جادة باطلة خاطئة وطنياً وسياسياً واستراتيجياً وتنظيمياً، فالسياسة لا تمثل عشيرة أو إقليماً، لكنها تمثل الأغلبية الشعبية، ومهما كانت ملاحظات الذات عليها، فإن الالتزام بالأغلبية هو الذي يضمن حقوق الجميع.
ومعنى هذا أنها لا تضع اليمن في مركز التفكير، ولكنها تضع الشطر الإقليمي منه فقط، وهذ لا يلبي الموقف الحقيقي للجنوب ولا للشمال، لأن مصالح وأهداف أي شطر لا يمكنها أن تطرح إلا في سياق موقف عام وطني.

ازدواجية التمثيل الحزبي بين الإقليمين 
والخلل الاستراتيجي يكمن في هذه المعادلة الوهمية التي تتبناها القيادة الشطرية تحت تأثير التعصب المناطقي الشطري، الذي لا يتفق مع مبادئ نشوء الحزب اليمني الموحد في مؤتمره التوحيدي مارس 1979م، وسبق أن انعقد مؤتمره التأسيسي في 11 أكتوبر 78م، ثم ععقد مؤتمر اليسار الشمالي في مارس 1979م، باسم حزب الوحدة الشعبية اليمني، الذي توحد مع الحزب الاشتراكي في الجنوب، في حزب اشتراكي موحد.

تفكيك الوحدة التنظيمية للحزب الاشتراكي اليمني الموحد
ما جرى من توحيد أعضاء اللجنة المركزية الجنوبيين وقيادات المنظمات المحلية في قيادة مستقلة جنوبية خالصة باسم مجالس التنسيق، هو فك للارتباط على المستوى التنظيمي، وهو ممارسة القيادة شطرياً وتجميدها وطنياً، وهو احتيال على القواعد العامة للحزب، وانتهاك صارخ للضبط الحزبي الداخلي، إذ غالبية القيادات الجنوبية المركزية تقر صراحة رفضها الالتزام بالرأي الوطني العام للحزب الموحد، وتتصرف على أساس واقعها الإقليمي الخاص بها، وتغض القيادات البيروقراطية الطرف عنها، فلا تعقد اجتماعات اللجنة المركزية، ولا تدعو للدورات السنوية، ولا تذهب للمؤتمرات العامة لحل الإشكاليات.

شطرية البيروقراطية القيادية
القيادة، لأنها مازالت تحافظ على المحاصصة التأسيسية القديمة للنسب التي يحصل عليها كل فرع من فرعي الحزب الموحد جنوباً وشمالاً، حيث يحافظون على الأغلبية المسبقة في قوام اللجان المركزية والقيادات العليا حصرياً، فلا يسمح بالترشح إليها إلا لمن كان ينتمي شطرياً، ولهذا فإن الأمناء العامين والقادة الكبار يأتون من الشطر الجنوبي بشكل حصري، امتداداً للاتفاقات السابقة بشأن الحصص التي توافقوا عليها عشية توحيد الحزب، ولذلك كانت القيادة تأتي محملة بهموم شطرية، وتتعاطى بعقلية شطرية دوماً، فهي لا تحس نهائياً بما هو أبعد من الحدود الشطرية السابقة، وتحن للعودة إليها، لأن وعيها لم يترسخ وطنياً بعد، لأنها لم تقحم بعد في معارك الدفاع عن الوطن اليمني ككل، وكان سهلاً عليها الوقوع في المناورات السعودية الخليجية باسم القضية الجنوبية، واستعادة الحكم الذاتي، ولو كان المعادل لذلك هو الانسلاخ عن اليمن الوطن، والبحث عن وطن آخر متخيل.
إن العصبوية الجنوبية والوسطى، الإقطاعية الضيقة المتطرفة، هي المصيبة التي تعصف بحزبنا الآن.



الحلقة الأخيرة
مكاشفة ومصارحة.. سقوط المراوحة ونصف الموقف

هذه وثيقة تعبر عن تيار الاشتراكية الثورية الوطنية، إلى الاجتماع العام الموسع لحزبنا، المكرس لمناهضة العدوان والنضال ضد الموقف الانتهازي الموالي للعدوان لدى القيادة البيروقراطية للحزب، للمناقشة والتطوير. إلى جميع رفاقنا الاشتراكيين ضد العدوان وضد الانتهازية والبيروقراطية والفساد والاستبداد والانحراف الحزبي الداخلي، وإلى أنصارنا وأصدقائنا وجماهيرنا الشعبية الكادحة التي تمثل الاشتراكية آلامها وأحلامها وأهدافها في الحرية والكرامة والسيادة والعدالة الاجتماعية والاستقلال.. إليها نبعث نداءنا وأفكارنا التي هي نتاج معاناتنا الجمعية المشتركة.
إقطاع الجنوب وإقطاع الوسط - سر التحالف المريب
إن بيروقراطية الجنوب الحزبي، مفهوم دوافعه وأطماعه تذهب إلى استرداد ليس دولة الجنوب السابقة (اليمن الديمقراطية)، بل الانضمام إلى الأغنياء الخليجيين المؤمركين، والانسلاخ عن الوطن والهوية اليمنية، أما بيروقراطية الوسط الحزبية، هم يعتقدون أنهم مقبولون ليلتحقوا بركب هذا المشروع، والذهاب إلى الجنة الخليجية الأمريكية.
هذا هو الوهم المتبادل بين الفريقين، ودافع السيطرة المستميتة على السلطة الحزبية، وادعاء الوحدة ليس إلا لأنهما يعلمان يقيناً أنهما لن يحصلا على الأغلبية الحزبية والسلطة القيادية ديمقراطياً. وكل منهم لا يملك ثقة قريته، ناهيك عن ثقة محافظته أو إقليمه، وقد وجدا أن الطريقة لاستمرار السيطرة هي الارتباط بمشروعات أجنبية وإقليمية استعمارية كوكلاء لها. 

مستقبل اليسار
لا تريد البيروقراطية أن تتغير، بل تريد مواصلة السيطرة على كل شيء، وتجييره لصالح مشاريعها ومصالحها، وأن يستمر الصراع الداخلي بدون حل أو حسم، لأن الحل سيوفر البيئة الديمقراطية، وافتراض وجود هذه البيئة ووصول القواعد الحزبية إلى الاتفاق على مواقف موحدة، يعني سقوط سيطرة البيروقراطية الفاسدة. والعكس من ذلك، يعني وصول الحال إلى مستنقع يقتل كل حياة، وكل إبداع، وكل نمو جديد. هذا يجعل اليسار كله أمام مصير مأساوي هو الاندثار التام لوجوده.

 خيارات اليسار الثوري
الدروس المرة للحصاد المر
من تجاربنا السابقة يمكن أن ندرك أين أخطأنا وأين أصبنا في تكتيكاتنا، ونستمد منها العون والإلهام والأفكار الصحيحة. 
اعتقادنا الساذج بالوحدة مع العدو وإبقائه بيننا، وفتح المجال له ليسيطر ويقود ويفرض علينا خياراته المعادية لنا وللوطن وللحزب.
إعادة إلى القيادة، من تم فصلهم ومحاكمتهم وطردهم بعد إداناتهم في جرائم واضحة، وتمليكهم زمام القيادة بعد الوحدة والحرب 94م.
والاعتقاد بأن هذه العناصر ستكون مخلصة ونزيهة وديموقراطية في الشؤون التنظيمية والسياسية والوطنية.
 ولتحقيق الغاية هناك خياران فقط لا ثالث لهما، وهما:
تحرير حزبنا من الفساد والبيروقراطية عبر استرداد ديمقراطية نزيهة بدون فساد وبدون تدخل أو فرض إملاءات فوقية أو خارجية، وهذا الخيار يفترض أن اليسار قد حاز على موقف الأغلبية الشعبية الحزبية، وأن اليمين لم يعد سوى أقلية معزولة، يتم إبعادها أو إعادة تربيتها إن اقتنعت بخطأ اعتقاداتها وفساد أساليبها السابقة، وتعهدت بالانضباط والطاعة للقواعد الديمقراطية والأخلاقية والوطنية.
أما إذا لم يتمكن اليسار من نيل الأغلبية الحزبية، نتيجة السيطرة البيروقراطية الطويلة، ففي هذه الحالة لا مجال أمام اليسار سوى الاستقلال في حزب مستقل ثوري من الطراز الطليعي الاشتراكي العلمي العمالي الشعبي الذي قاعدته تتمثل بالكتلة الفقيرة من الأغلبية الساحقة من العاطلين والفلاحين المعدمين والجنود والبؤساء والشباب الكادح الطموح لخدمة وطنه والفقراء الذين يتجاوز عددهم الـ25 مليون إنسان يمني من البلوريتاريا الشعبية.

حزبـان
هناك الآن حزبان في الواقع الداخلي يتصادمان بدون جدوى، أحدهما حزب الحرية الوطنية والوحدة والثورة الشعبية، والآخر حزب العدوان والتبعية والرجعية والانسلاخية والبيروقراطية واللاموقف، فالبيروقراطية والانتهازية تفضل عدم تحديد مواقف ليمكنها إبقاء الموقف الحقيقي بعيداً عن الرقابة.
إن مستقبل اليسار الوطني الثوري، هو في انتصار الثورة والوطن ضد العدوان والاحتلال، وفي التحرر الوطني والاستقلال والسيادة الوطنية والحرية الشعبية.
أما الآخر فإنه قد ربط مصيره بمصير العدوان والاستعمار، وهو يناضل لأجل انتصار الاستعمار والاحتلال والعدوان وإعادة الهيمنة الأجنبية على الوطن.
والوضع القائم يحقق المخطط الإمبريالي، لأنه يمنع بروز اليسار كقوة مستقلة في الميدان تسهم في المعركة الحاسمة في الدفاع عن الوطن وتحرير الجنوب المحتل، إذ يكون هذا الوضع الضبابي ستاراً مناسباً لخيانة البيروقراطية الشطرية تحت غطاء الاشتراكي الصامت.
 
الصراحة المؤلمة الصحية، ضرورة حيوية - الاعترافات..
هذا الصراع الآن، هل نملك مقومات نجاحه؟ أم هو صراع ضار بالحزب؟ وهل هو غير مبرر؟
نعرف الآن أن الرفاق الشرفاء الوطنيين الثوريين سوف ينقسمون إلى أقسام عديدة، والنظر إليها وإلى مبادرتنا الثورية بأشكال مختلفة.
نعم هذا متوقع، لكن الثقة بالقواعد الحزبية والثقة بوطنيتها وشفافيتنا تجعل الحوار بيننا ممكناً وخلاقاً، فلا مشكلة في الاختلاف إذا كان الهدف هو الوصول الى الحقيقة والحق، وانطلاقاً من الوثائق الأساسية والمبادئ، فهو اختلاف بهدف التطور والتقدم، وليس الجمود والانحراف.
إن لنا موروثاً تاريخياً شفافاً يجعلنا منفتحين أمام أي حوار بهدف التوضيح والتفسير لمواقفنا، وأين نقف، ومن نخدم، ومن حق الناس أن يطمئنوا من مواقفنا، وهل هي مستقلة أم هي مدفوعة من قوى أخرى خارجية أو داخلية.
هي لحظة مصارحات تاريخية، إنها لحظة وضوح فكري وسياسي ووطني حاسمة، والشعب يحتاج إلى صراحة وحزم، وإلى تعبئته المعنوية العالية من الشجاعة والإقدام على التضحية دفاعاً عن الوطن والثورة، ولا مهادنة ولا تقاسمات أو أنصاف حلول مع العدوان على وطننا، وإما أن ننتصر أو نموت شرفاء بكرامة تجعل الأجيال القادمة والتالية والشابة تواصل المقاومة والكفاح إلى أن تحقق النصر، لأنه حتميٌ، ومهما تعثر فسوف ينهض مجدداً لا محالة.
ومن واجب الرفاق الذين اعتركت بهم تجارب النضال الحزبي والوطني، أن يقفوا الآن ليقدموا خبراتهم، ويقدموا مراجعة نقدية كاملة للمواقف السابقة بالمطابقة بين الأقوال والأفعال، مراجعة نقدية لكامل التجربة، وهذا من أدبياتنا النضالية والفكرية والمعرفية والقيمية. 
يا رفاقنا، لا مجال هُنا للصمت، للمراوحة، للسكون أمام ما يحصل لوطننا من تآمر، لا مجال للانتهازي في صفوفنا، كما لا مجال لنصف موقف، ولنصف قضية، ولنصف حل. ولنكن نحن.
ختاماً:
(أيقتلك البرد؟ أنا يقتلني نصف الدفء، ونصف الموقف أكثر).. مظفر النواب