ما وراء الاتفاق الأمريكي الروسي الأخير بشأن سوريا؟ ولماذا تماهت السعودية في إرسال قواتها الى قاعدة إنجيرليك التركية؟ وما علاقة الترتيبات والتنسيقات الإعلامية بين الرياض وتل أبيب؟ وما هو المزاج الأمريكي السعودي في ما يتعلق بالمشكلة اليمنية العالقة؟ وهل سيتعكّر كالعادة؟!
أقدمت الرياض قبل أيام على عقد اجتماع (استثنائي) ثالث لوزراء الإعلام الخليجيين، للاطلاع على مشروع الخطة الإعلامية المُقدمة من حكومة الرياض، والتي من المُزمع ـ كما يقول البيان الختامي للمؤتمر (أن تواكب سير العمل السياسي والعسكري لدول التحالف في اليمن).
 تل أبيب بدورها استضافت وفداً من الصحفيين والكتّاب والناشطين الأوروبيين  العاملين في قنوات عربية، والذين تعود جذورهم الى مصر والعراق وكردستان السورية، وكان موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية كشف قبل أيام ما قال إنه اجتماع (سرّي) لصحفيين وناشطين يعملون في قنوات بريطانية وعربية (كصحيفة الشرق الأوسط، وإيلاف السعوديتين، بالإضافة الى قناة بي بي سي البريطانية، ودويتشه فيليه الألمانية). كما قالت صحيفة (يديعوت أحرونوت) على موقعها الإلكتروني إن الصحفيين زاروا الكنيست ومتحف الهولوكوست، ومحكمة العدل العليا، بالإضافة إلى جامعة حيفا، والمركز متعدد المجالات في هرتسليا، كما زاروا قرية درزية الواقعة في هضبة الجولان السورية. وبالرغم من التكتم الإسرائيلي حول أهداف الاستضافة (الطارئة) إلا أن التوقيت الزمني واختيار العينات الملائمة والأماكن المناسبة، يساعد الباحث عن الحقيقة في الوصول الى مكامن وخفايا ما يُحاك بالشعب اللبناني والسوري، ويراد له أن يحدث في المنطقة الشرق أوسطية (عاجلاً)!
الاتفاق الأمريكي الروسي الأخير لوقف إطلاق النار في سوريا، والمسبوق باتفاق (نفطي – سياسي) روسي سعودي مشترك، جاء كمبادرة تقدمت بها الولايات المتحدة الأمريكية، هدفت الى حفظ ماء وجه المملكة السعودية التي وجدت نفسها في ورطة حقيقية، خصوصا بعد أن أعلن الأتراك (بذكاء) وعلى لسان وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو، استبعادهم شن عملية برية في سوريا، وهو الأمر الذي أثار استياء ساسة البيت الأبيض، ليأتي الرد الأمريكي مباشرة وعلى لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بأن (أمريكا لاتعتزم دعم أية قوات برية ستشارك في سوريا)، وإلى هنا ويكفي!
المرونة الكبيرة التي أبدتها أمريكا في تعاطيها مع الملف السوري مؤخرا، تعود الى جُملة من الأهداف المندرجة ضمن مشروع أمريكي جديد، ومن تلك الأهداف (الثانوية): (تأديب الأتراك) نتيجة لعدم انسياقهم وراء المخطط الأمريكي السابق الرامي الى توريطهم في حرب عسكرية برية في سوريا، ولقد بدا ذلك واضحا من خلال تشجيع الأمريكان على قيام دولة كردية جنوب البلاد، وهو الأمر الذي أخرج أردوغان عن صمته ليُخيّر الأمريكيين بين: (بلاده أو حزب العمال الكردستاني الذي ترى فيه أنقرة خطراً حقيقياً يهدد الدولة التركية الحالية)، إلا أن تلك التصريحات (الحازمة) قوبلت بتجاهل واضح من قبل البيت الأبيض، لتأتي التصريحات بعد ذلك بأن (أنقرة شريك أساسي لنا في محاربة داعش)، وهو موقف بعيد كل البعد عن خيارات أردوغان ومعادلته (الأحادية)!
مقابل رد الجميل (للولايات المتحدة الأمريكية) التي أخرجتها من وحل كاد أن ينهي وجودها في غضون أشهر معدودة، هناك (إملاءات سياسية) يجب على الرياض القيام بها، سيما في لبنان وكردستان، كبادرة (ولاء وإثبات طاعة)، وهو ما ترجمته النقلات السعودية الأخيرة، فإيقاف المساعدات عن الجيش اللبناني وتقديمها في ما بعد على شكل (مساعدات مشروطة) ستعمل على تعميق حالة الاحتقان بين الأطراف السياسية المتباينة، وتدفع بالبلد نحو الفوضى الأهلية، وهي خطوة تراها تل أبيب ممتازة ومناسبة، ويتطلبها الموقف الحالي، بدليل الترتيبات والتنسيقات الإعلامية بين الطرفين، والاجتماعات المغلقة التي تتم من خلف الكواليس في القواعد الجوية السعودية، التي فضحتها الصواريخ اليمنية في أكثر من (مصيدة).
 إقدام الرياض على فتح قنصليتها في مدينة (أربيل) الكردستانية، الاثنين الماضي، وتكليف السعودي عبدالمنعم عبدالرحمن القيام بعمله كممثل قنصلي عن بلاده في دولة كردستان الجديدة، يأتي في إطار التنفيذ الفعلي والحرفي للمشروع الأمريكي الراهن، على أن قيامها بكل ذلك يستوجب منها أن تكف عن الحديث عما سمته (دعم الجماعات المسلحة في سوريا بصواريخ مضادة للطائرات)، فالاتفاق الأمريكي الروسي الأخير يتطلب منها التزامات معينة (مع أنها لم تكن طرفاً فيه)، وبالنظر الى العقود المبرمة بين الرياض وواشنطن في ما يتعلق بالجانب التسليحي، فإن بعضها يقتضي عدم نقله الى طرف ثالث، ومنها الصواريخ الحديثة التي تزوّدت بها الرياض من واشنطن مؤخرا، وتستخدمها الأخيرة كورقة ضغط تقيد بها الأولى من التحرّك خارج إطار أوامرها، وتضمن طاعتها بشكل دائم!
الخطة العسكرية الأخيرة التي أقدمت عليها قوات التحالف في اليمن، كان من المتوقع لها أن تنجح حتى نهاية الشهر الجاري (كما يقول خبراء عسكريون)، ليكون بداية الشهر القادم موعدا لانطلاق عاصفة الشمال في سوريا، حيث انها حشدت لتنفيذها قوة عسكرية ضخمة (من مختلف الجنسيات)، واستخدمت أحدث التقنيات والأسلحة الفتاكة، وهاجمت من عدة محاور حدودية وغير حدودية، لكنها اصطدمت بجدار بشري صلب وجغرافيا معقدة لم تجعلها تتوقف عند حدها فحسب، بل أجبرتها على التراجع، وتساقطت بالتزامن مع ذلك مُدن حيوية كثيرة (كمأرب والجوف وميدي وذو باب و .. الخ)!
عادل الجبير (وزير الخارجية السعودي) الذي ظهر نافخاً ريشه كنسرٍ أربعيني في أكثر من محفل، مهددا ومتوعدا بالقضاء على صقور الجيش العربي السوري، قائلا بأنه (لن يكون هناك أسد في سوريا مستقبلاً)، معتمدا في حماسته الجنونية تلك على المساندة التركية (التي تراجعت بعد ذلك)، والدعم اللوجستي الأمريكي (المتراجع هو الآخر)، بات اليوم يدوس رأسه في الرمال كنعامة كهلاء وجدت أقدامها منغمسة في وحل مطاطي اسمه (اليمن)، بينما أصبحت جلّ خطاباته تتحدث عما يسمّيه (دعم الحكومة الشرعية في اليمن حتى تتحقق اهداف عاصفة الحزم) التي أوشك العام تقريباً على بدايتها!
المزاج الأمريكي السعودي في اليمن يبدو من خلال المعطيات والمؤشرات الراهنة أنه سيكون (مزاج حرب مفتوحة)،  فأمريكا لاتريد حلاً للمشكلة اليمنية العالقة، بدليل أنها تجاهلت وقف إطلاق النار الذي دعا إليه تقرير المبعوث الأممي ولد الشيخ أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، وذهبت لتوقع على وقف لإطلاق النار مع روسيا في بلد (ليس لها وجود عسكري رسمي فيه)، انما دفعها لذلك ترتيبات استعمارية تهدف للمحافظة على الكيان الإسرائيلي عبر خلخلة المنطقة الشرق أوسطية من الداخل، وضربها ببعضها البعض (بأقل التكاليف)، مستخدمة (مقامرة) الكيان السعودي كوسيلة مرحلية لتنفيذ تلك السياسات الشيطانية، ودافعة به نحو الانتحار على جميع الصُّعد الميدانية والسياسية والاقتصادية، فهل ستنجح الخطة العسكرية القادمة لقوات التحالف في اليمن؟!
وحدهم اليمنيون من يستطيعون الاجابة على ذلك!